للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابلائى من محضر ومغيب ... وحبيب منى بعيد قريب

لم ترد ماء وجهه العين إلا ... شرقت قبل ريّها برقيب

وقوله (١):

زاحم كمّى كمّه فالتويا ... وافق قلبى قلبه فاستويا

وطالما ذاقا الهوى فاكتويا ... يا قرّة العين ويا همى ويا

وهى أبيات لا تصور عذابا فى الحب ولا ألما من ناره المحرقة، إنما هى أقرب ما تكون إلى الدعابة، وختم البيت الرابع بقوله: «ويا» كما يقول الناس: يا أختى ويا ويا مستغنين بذلك عن الشرح. وقد تحولت هذه الصورة من التعبير فيما بعد إلى لون من ألوان البديع سمّاه المتأخرون باسم الاكتفاء. واقرأ فى ابن المعتز فإنك لن تقف على حب لاهب، إنما تقف على دعابات وصور وفنّ من مثل قوله (٢):

تقول العاذلات تعزّ عنها ... واطف لهيب قلبك بالسّلوّ

وكيف وقبلة منها اختلاسا ... ألذّ من الشماتة بالعدوّ

وقوله (٣):

إذا اجتنى وردة من خدّها فمه ... تكوّنت تحتها أخرى من الخجل

وكان-كما أسلفنا-ينفق على شاكلة أبناء القصور-كثيرا من أوقاته فى اللهو والخمر، وديوانه طافح بكئوسها ودنانها وسقاتها وأديرتها، فهو لا يشربها فى بيته ومجالسه مع أصدقائه فحسب، بل يشربها أيضا فى أمكنتها المعروفة لعصره وخاصة الأديرة مثل دير عبدون، وهو يصرّح بأنه كان يغرق فيها همومه إذ يقول (٤):

وليس للهمّ إلا شرب صافية ... كأنّها دمعة من عين مهجور


(١) الأغانى ١٠/ ٢٧٩.
(٢) مروج الذهب ٤/ ٢٠٣.
(٣) مروج الذهب ٤/ ٢٠٥.
(٤) الديوان ص ٢٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>