للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهو يقبل عليها لتنسيه همومه، ولتمسح على كدر حياته بنصاعتها وصفائها، وليتسلى ويتعزّى عن مقتل أبيه الذى لم ينسه يوما، ومثله فى الخمر مثله فى الحب، فهو لا يتعبّد لها كما كان يتعبد أبو نواس ولا يسبّح بآلائها مقدّما إليها قرابينه من الشعر، إنما هو يتسلّى بها ويتسلّى بما ينظمه فيها بمثل قوله فى مديح الصبوح (١):

اسقنى الراح فى شباب النهار ... وانف همّى بالخندريس العقار (٢)

قد تولّت زهر النجوم وقد بشّ‍ ... ر بالصّبح طائر الأسحار

ما ترى نعمة السماء على الأر ... ض وشكر الرياض للأمطار

وغناء الطيور كلّ صباح ... وانفتاق الأشجار بالأنوار

فكأنّ الربيع يجلو عروسا ... وكأنا من قطره فى نثار (٣)

وهى أبيات تصور إحساسه بما ينعكس على بصره من جمال الطبيعة صباحا فى الربيع، ولكنها لا تصور حبّا ولا تهالكا على الخمر، ولا عاطفة جامحة أو متقدة، إنها ليست أكثر من أبيات يتسلى بها ويتعزى ويظهر مقدرته على النظم فى الخمر، ولذلك يكون من السهل عليه أن ينقض هذا المدح للصبوح ويضع قصيدة بل قل مزدوجة (٤) فى ذمه امتدت إلى نحو مائة وعشرين بيتا وفيها يقول:

فأىّ فضل للصّبوح يعرف ... على الغبوق والظلام مسدف (٥)

ويطيل فى الأسباب التى من أجلها يذمه ذمّا قبيحا، كأن يعرّض المصطبحين للبرد القارص شتاء والحر اللافح صيفا. وقد يكون مصدر هذا الذم شيوع المناظرات لعصره وبيان محاسن الشئ ومساوئه، كما مرّ بنا عند ابن الرومى فى ذمه للورد، ولكن من المؤكد أن ابن المعتز لم يصور فى ذلك عاطفة، وإنما صور عبثا عقليّا، وقد


(١) الديوان ص ٢٣٢ وأشعار أولاد الخلفاء ص ١٩٠.
(٢) الخندريس العقار: الخمر.
(٣) النثار: ما ينثر على العروس من الدراهم الفضية.
(٤) الديوان ص ٤٧٣ وأشعار أولاد الخلفاء ص ٢٥١.
(٥) مسدف: مرخى الستور.

<<  <  ج: ص:  >  >>