للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يكون أهم من هذا العبث وصفه للبستان فى مزدوجة مشهورة له، إذ يقول:

وياسمين فى ذرى الأغصان ... منتظم كقطع العقيان

والسّرو مثل قضب الزبرجد ... قد استمدّ العيش من ترب ندى

على رياض وثرى ثرى ... وجدو كالمبرد الجلىّ

وجلّنار كاحمرار الخدّ ... أو مثل أعراف ديوك الهند

ويستمر فى رصف مثل هذه التشبيهات والصور، وكانت لديه مهارة خارقة فى اجتلابها، والملاءمة بينها وبين ماعون بيته كما لاحظ ذلك ابن الرومى آنفا. وقد لا يستمدها من ماعون بيته، ولكن نحس كأنما عقله كان كنزا زاخرا بالتشبيهات والصور. وأكثر من تصوير أضواء الصباح وهى تحسر عن الأفق خيوط الظلام وسواده، فتارة يشبه الظلام بحبشى أسود والصباح يفترّ عن أسنانه ضاحكا من فراره، أو يشبهه بغراب قوادمه بيضاء أو مقصوص الجناح، أو بأسود عريان يمشى فى الدجى بسراج، وقد يشبه الهلال بزورق من فضة مملوء بالعنبر، ومن بديع تشبيهاته له تصويره بقوله (١):

كمنجل قد صيغ من فضّة ... يحصد من زهر الدّجى نرجسا

وتكثر فى الديوان مثل هذه التشبيهات البارعة لعناصر الطبيعة، ولم يقف عند الطبيعة المتحضرة وحدها فقد كان يلم بالطبيعة الصحراوية. ولعل أبا الفرج الأصبهانى لم يرد فى دفاعه عنه الذى مرّ بنا أن ينكر عليه أنه نظم بعض شعره فى الأطلال والبيد وحيواناتها، إنما أراد الإكثار من النظم فى الصحراء إذ له أشعار مختلفة فى وصفها، وقد مرت بنا فى غير هذا الموضع أبيات طريفة له فى وصف الأطلال والديار الخالية، وأخرى فى وصف ثور الوحش وبقره، ومن طريف ماله فى وصف الإبل قليلة اللبن وهى تحلب قوله (٢):

رأيت انهمار الدرّ بين فروجها ... كما عصرت أيدى الغواسل أثوابا


(١) الديوان ص ٢٧٨.
(٢) الديوان ص ٣٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>