للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فى أثناء سيرها وسراها فى الصحراء، ومنه تولدت الأوزان الأخرى (١)، غير أن هذا كله مجرد فروض. وكل ما يمكن أن يقال هو أن الرجز كان أكثر أوزان الشعر شيوعا فى الجاهلية، إذ كانوا يرتجلونه فى كل حركة من حركاتهم وكل عمل من أعمالهم فى السلم والحرب، ولكن شيوعه لا يعنى قدمه ولا سبقه للأوزان الأخرى، إنما يعنى أنه كان وزنا شعبيّا لا أقل ولا أكثر. وكان الشعراء الممتازون فى الجاهلية لا ينظمون منه، إنما ينظمون فى الطويل والبسيط والكامل والوافر والسريع والمديد والمنسرح والخفيف والوافر والمتقارب والهزج، وإن كان نظمهم فى الثلاثة الأولى أكثر وأوسع.

والحق أنه ليس بين أيدينا شئ من وزن أو غير وزن يدل على طفولة الشعر الجاهلى وحقبه الأولى، وكيف تمّ له تطوره حتى انتهى إلى هذه الصورة النموذجية التى تلقانا منذ أوائل العصر الجاهلى أو بعبارة أخرى منذ أوائل القرن السادس الميلادى. ولم تكن تختص بهذا الشعر فى الجاهلية قبيلة دون غيرها من القبائل الشمالية عدنانية أو قحطانية، وآية ذلك أننا نجد الشعراء موزعين عليها، فمنهم من ينسب إلى القبائل القحطانية مثل امرئ القيس الكندى وعدىّ بن رعلاء الغسانى (٢) والحارث بن وعلة الجرمىّ القضاعى (٣) ومالك بن حريم الهمدانىّ (٤) وعبد يغوث الحارثى النّجرانى (٥) والشّنفرى الأزدى (٦) وعمرو بن معد يكرب المذحجى (٧)، أما من ينسبون إلى مضر وربيعة فأكثر من أن نسميهم، وعلى شاكلتهم من ينسبون إلى الأوس والخزرج القحطانيين فى المدينة. ونحن لا نستطيع أن نحصى من جرى لسانهم بالشعر حينئذ، فقد كانوا كثيرين، وكانت تشركهم فيه النساء مثل الخنساء، وكان ينظمه سادتهم وصعاليكهم. ويخيل إلى الإنسان أن الشعر لم يكن يستعصى على أحد منهم، وعدّ ابن سلام فى طبقاته أربعين من فحولهم وفحول المخضرمين وقد جعلهم فى عشر طبقات وجعل فى كل طبقة أربعة، وأضاف إليهم


(١) انظر الجزء الأول من تاريخ الأدب العربى لبروكلمان (طبع دار المعارف) ص ٥١.
(٢) الأصمعيات (طبع دار المعارف) ص ١٧٠.
(٣) المفضليات (طبع دار المعارف) ص ١٦٤.
(٤) الأصمعيات ص ٥٦.
(٥) المفضليات ص ١٥٥.
(٦) المفضليات ص ١٠٨.
(٧) الأصمعيات فى مواضع متفرقة.

<<  <  ج: ص:  >  >>