للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكيغلغىّ المجد يلفى مجده ... ثبت الدعائم محصد الأمراس (١)

فرد الكيان فكفّه من رحمة ... تسع الأنام وقلبه من باس

أعدى على صرف الليالى المعتدى ... وألان من طبع الزمان القاسى

يوماه ذا عيد وذا عرس وإن ... جلاّ عن الأعياد والأعراس

يأبى الحجاب وليس يحجب بشره ... عن أعين الندماء والجلاّس

والأبيات مليئة بالجناسات والمقابلات والتقسيمات، على نحو ما يلاحظ فى أعدى والمعتدى والحجاب ويحجب، وفى الكف والقلب واللين والقسوة والعيد والعرس. وكأنما كتب أشعاره على أضواء من ديوان أبى تمام، وإن كان لا يبلغ مبلغه فى اقتناص المقابلات والجناسات. فقد كان أبو تمام أكثر دقة وأنفذ بصيرة. ولا نبالغ إذا قلنا إن أجود ما صاغه من مدائح صاغه فى الهاشميين من عباسيين وعلويين.

وأهم هاشمى عباسى أسبغ عليه مديحه على بن محمد بن حمزة الهاشمى، وكانت له-كما مرّ بنا-ضياع يتوسطها قصر فى مكان يسمى فارث، وكان الصنوبرى كثيرا ما ينزل عنده بهذا القصر وينعم بما فيه من ترف ومن أسباب النعيم ووسائله، وله فيه قصيدة عينية رائعة يصور فيها ما نعم به عنده من غناء بعض الجوارى ومن راح وخمر. كما يصور بستانا حافلا بالورود والرياحين وبركة حساء تنهل فيها النجوم ويتحول إلى مديح ابن حمزة هاتفا (٢):

ابقوا بنى العباس ما بقى الحصا ... لندى يؤمّل أو لخرق يرقع (٣)

ويمدح كثيرا من العلويين المقيمين بحلب وغير حلب. ودائما يذكر أنهم عترة المصطفى وأنهم الجوهر المصفّى وسراج الدنيا، ومن خير مدائحه فى الهاشميين مدائحه لأبى إسحق السلمانى، ويصفه بالعلم الغزير والاطلاع الواسع على الثقافة اليونانية حتى ليرفعه درجات على أرسططاليس وبقراط، قائلا (٤):

وأدقّ من رسطالس نظرا إذا ... ناظرته وأشفّ من بقراط


(١) محصد: قوى متين.
(٢) الديوان ص ٣٢٧.
(٣) يريد بالخرق: الفتنة.
(٤) الديوان ص ٢٧٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>