للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فكر غدت أقفال فكر كلّها ... لكنهنّ مفاتح استنباط

والرثاء كثير فى الديوان بصوره الثلاث من العزاء والتأبين والندب، فهو يعزى جعفر بن طاروف عن أخيه (١) بأن تلك حال الزمان يعصف بكل الأحياء، وقديما عصف بجرهم وطسم وأقيال حمير وكسرى وقيصر، ويعزّى ابن حمزة الهاشمى العباسى صديقه عن زوجته (٢) وأن طائرا لم يطر إلا كما طار وقع، ولا شرب أحد فى دنياه جرعة حلوة إلا أعقبتها جرعة مرة. وحزن طويلا على صديقه أبى إسحق السلمانى حين وافاه القدر، فأبّنه كثيرا واصفا علمه وباكيا عليه بمثل قوله (٣):

غاب أبو إسحق فى الأرض بل ... غاب سراج الأرض فى الأرض

بكته عيناى وفوق البكا ... حتى بكى بعضى على بعضى

ومن أروع مراثيه ندبه للنبى عليه السلام ولآله، وهو فيه يتحدث عن ابنته فاطمة الزهراء وعن على واصفا مقتله الأثيم ومؤكدا وصية الرسول له بالخلافة كما أسلفنا، ويذكر حديثه له فى غدير خم وأنه منه بمنزلة هرون من موسى، ويعرض مقتل الحسين وما صبّه فى نفوس المسلمين من جزع وكمد. ويخصّه بمراث كلها تفجع عليه ولوعات وزفرات، ونراه فى بعضها (٤) يصوّر سيرة جده المصطفى العاطرة ليظهر مدى الإثم فى مقتله، كما يصور سيرة أبيه على ونصرته للإسلام وماله من حقوق على الأمة، ويبكى مقتله فى كربلاء بالقرب من الفرات، وهو ساغب، يريد بعض الماء، فتلعق السيوف من دمه ودم شباب وصغار من بيته كانوا معه، وتعول أم كلثوم ومن كان فى ركبه من النساء عويلا مرّا، ويندد بقاتليه وفظاعة جريمتهم وما يزال يئنّ لمصرع الحسين وهتك حرمه بمثل قوله (٥):

يوم الحسين على الد ... ين كنت يوما عسيرا

ملأت والله كربا ... يا كربلاء الصدورا


(١) الديوان ص ١٠٦.
(٢) الديوان ص ٣٤١.
(٣) الديوان ص ٢٦٥.
(٤) أنظر الديوان ص ٢١٨.
(٥) الديوان ص ٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>