للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسكر أجفانك التى حلف ال‍ ... فتور ألا تفيق من سكر

وأقحوان بفيك منتظم ... على شبيه الغدير من خمر

ما صبر المشوق لى فأصبر يا ... من حسنه فيه قلّة الصّبر

ويكثر الصنوبرى من الحديث عن الخمر ووصف كئوسها وسقاتها ونداماها ومجالسها، يفرد لذلك القصائد والمقطوعات. وقد يضع نعت الخمر فى مقدمة بعض مدائحه، مضيفا إليها نعت بعض ليالى الأنس وما كان فى مجالسها من غناء وقيان وجوار معقربات الأصداغ. وقد يضيف إلى ذلك وصف البستان وما فيه من أزهار ممتدة حول القصور ومجالسها. وكثيرا ما يقرن وصف الربيع إلى الخمر، فهو ربيع الدنيا وهى ربيع الفرح والسرور فى رأيه. ويقرنها أيضا دائما إلى الأمطار، ولعله أول من قرنها بالثلج وانتثاره فى الطبيعة، وعرف له القدماء ذلك فقالوا إنه أول من تغنى بالثلجيات على شاكلة قوله (١):

ذهب كئوسك يا غلا ... م فإن ذا يوم مفضّض

الجوّ يجلى فى البيا ... ض وفى حلّى الدّرّ يعرض

أظننت ذا ثلجا وذا ... ورد على الأغصان ينفض

ورد الربيع ملوّن ... والورد فى كانون أبيض

وهو يفرح بهذا اليوم من أيام كانون شهر الشتاء القارس، الذى يكسو الأشجار ثيابا بيضاء، وكأنها تجلى فيها، فهو يوم من أيام عرسها، وهو يعبّ فيه من كئوس الخمر المذهبة الصافية، فرحا بمنظر الثلج على الأغصان، وكأنما قطعه فى عينه ورود تنفض على الأغصان وعلى الأرض، ورود بيضاء، تكسو الطبيعة غلائل فضية بهيجة. وكان أكثر ما يفرغ لخمره ولهوه ولذاته فى الرقة، وكان يختلف مع رفاقه إلى بساتينها ومتنزهاتها على جداول البليخ والهنىّ والمرىّ. وله رائية (٢) يصور فيها نزهة فى بساتين تلك الجداول وفى دير زكىّ الذى كان يجاورها، ذاكرا قراها التى كان يتنقّل بينها من مثل هرقلة والصالحية


(١) الديوان ص ٢٥٥.
(٢) الديوان ص ٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>