للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الطيور على الأشجار، وكأنما تتحوّل الرياض فى عينيه إلى أعياد وأعراس، حتى ليقول (١):

ما الدهر إلا الربيع المستنير إذا ... أتى الربيع أتاك النّور والنّور (٢)

فالأرض ياقوتة والجو لؤلؤة ... والنبت فيروزج والماء بلّور (٣)

تظلّ تنثر فيه السّحب لؤلؤها ... فالأرض ضاحكة والطير مسرور

حيث التفتّ فقمرىّ وفاختة ... يغنّيان وشفنين وزرزور (٤)

إذا الهزاران فيه صوّتا فهما السّ‍ ... ر ناى والنّاى بل عود وطنبور (٥)

فالربيع كأنه دكان ملئ بالجواهر، والدنيا مليئة بالبشر والسرور والطيور تغنى ويشدو عندليبان بصوتهما الساحر، وكأنما تجتمع جوقة موسيقية تخلب الألباب بأغانيها الجميلة. ويهتف بالناس أن يفتحوا عيونهم وأبصارهم فى الربيع ليروا مفاتنه ويهتف بصواحبه من النساء أن يتأملن فى جماله الذى يملأ القلوب غبطة وابتهاجا، يقول (٦):

يا ريم قومى الآن ويحك فانظرى ... ما للرّبى قد أظهرت أعجابها (٧)

كانت محاسن وجهها محجوبة ... فالآن قد كشف الربيع حجابها

ورد بدا يحكى الخدود ونرجس ... يحكى العيون إذا رأت أحبابها

وكأن خرّمه البديع وقد بدا ... روس الطّواوس إذ تدير رقابها (٨)

والسّرو تحسبه العيون غوانيا ... قد شمّرت عن سوقها أثوابها (٩)

فهو يوقظ صاحبته لترى الطبيعة وقد حسر الربيع نقابها، فبدت خدودها وعيونها الرانية ورءوسها الزاهية، وكأنما السرو غانيات أقبلت مشمرة عن سيقانها


(١) الديوان ص ٤٢.
(٢) النور: الزهر.
(٣) الفيروزج: الفيروز وهو حجر كريم أخضر اللون.
(٤) القمرى والفاختة: من الحمام، والشفنين اليمام، والزرزور: من المصافير.
(٥) السرناى والناى: من آلات الطرب.
(٦) الديوان ص ٤٥٤.
(٧) أعجاب: جمع عجب.
(٨) الخرم: زهر بنفسجى زاه.
(٩) السوق: السيقان جمع ساق.

<<  <  ج: ص:  >  >>