للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تريد الرقص فى هذا الجو العطر البهيج. ويفرد كثيرا من مقطوعاته لوصف بعض الأزهار، ولم يكن زهر يملك لبّه كما كان يملكه زهر النرجس، وهو أعظم الأزهار فى الشام وأكثرها انتشارا فيه، وقد تغنى به طويلا على نحو ما نرى فى قوله (١):

أرأيت أحسن من عيون النّرجس ... أم من تلاحظهن وسط المجلس

درّ تشقّق عن يواقيت على ... قضب الزمرّد فوق بسط السّندس

أجفان كافور حبين بأعين ... من زعفران ناعمات الملمس

وهو فى كثير من وصفه للنرجس يستهدى بابن الرومى، إذ كان معجبا به مثله، ومرّ بنا فى غير هذا الموضع أن ابن الرومى أدار مناظرة فى شعره بينه وبين الورد، وقف فيها مع النرجس موردا من الحجج من يؤكدّ فضله على الورد وأنه يفوقه حسنا وجمالا، وكأنما أراد الصنوبرى أن يعارضه فنظم مقطوعه (٢) نصر فيها الورد، ثم عاد فأقام معركة بين الأزهار، حاول فيها أن ينتصر للنرجس، وفيها يقول (٣):

خجل الورد حين لاحظه النر ... جس من حسنه وغار البهار (٤)

فعلت ذاك حمرة وعلت ذا ... حيرة واعترى البهار اصفرار

وغدا الأقحوان يضحك عجبا ... عن ثنايا لثاتهنّ نضار (٥)

عندها أبرز الشّقيق خدودا ... صار فيها من لطمه آثار (٦)

وأضرّ السّقام بالياسمين ال‍ ... ‍غضّ حتى أذابه الإضرار

ويمضى الصنوبرى على هذا النمط واصفا القتال بين النرجس والأزهار المختلفة، وكل منها يبوء بالهزيمة أمام النرجس وما يسلط من سهام عيونه الساحرة. وكان كلما وصف بلدة من بلدان الشام وصف طبيعتها الجميلة، وله فى دمشق والرقة قصائد بديعة، وأبدع منها قصيدته فى موطنه حلب، وهى أربعة أبيات ومئة استهلّها


(١) الديوان ص ١٨٠.
(٢) الديوان ص ٤٩٨.
(٣) الديوان ص ٧٨.
(٤) البهار: نبت أصفر.
(٥) الأقحوان: زهر أبيض فى وسطه اصفرار وأوراقه مفلجة، ولذلك يشبهونه بالأسنان.
(٦) الشقيق: ورد كبير أحمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>