للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إحداهما، وفرّت الأخرى (١). ومر بنا أن أهل يثرب حين وفد عليهما النابغة أمروا إحدى القيان أن تغنى بشعر له فيه إقواء، حتى يقف على ما فيه من عيب (٢).

ويكثر ذكر هؤلاء القيان فى شعر الشعراء كما يكثر ذكر ما كنّ يضر بن عليه من آلات الطرب، كقول علقمة فى ميميته (٣):

قد أشهد الشّرب فيهم مزهر رنم ... والقوم تصرعهم صهباء خرطوم

ويقول الأعشى فى معلقته:

ومستجيب تخال الصّنج يسمعه ... إذا ترجّع فيه القينة الفضل (٤)

ولطرفة فى معلقته وصف طويل لإحدى هؤلاء القيان. ولعل فى ذلك كله ما يدل على أن الغناء فى الجاهلية تأثر بعناصر أجنبية كثيرة.

وكان نساؤهم يؤلفن ما يشبه الجوقات ويتغنين فى حفلاتهم لاعبات على المزاهر (٥)، وفى الطبرى أن النبى صلى الله عليه وسلم سمع ذات يوم عزفا بالدفوف والمزامير، فسأل عنه، فعرف أنه عرس (٦)، وأكبر الظن أنهن كن يقرنّ هذا العزف بأناشيد كأناشيد الزفاف المعروفة عند اليونان والرومان. وكن يؤلفن فى الحروب جوقة كبيرة تحمّس وتثير، ففى الطبرى والأغانى أن هندا بنت عتبة ونسوة من قريش كن يضربن على الدفوف فى غزوة أحد وكانت هند تغنى فى تضاعيف هذا العزف بمقطوعات على شاكلة قولها (٧):

إن تقبلوا نعانق ... ونفرش النّمارق (٨)

أو تدبروا نفارق ... فراق غير وامق (٩)


(١) السيرة النبوية لابن هشام (طبعة الحلبى) ٤/ ٥٣.
(٢) أغانى (طبعة دار الكتب) ١١/ ١٠.
(٣) المفضليات ص ٤٠٢ والشرب: جمع شارب، رنم: مترنم، والصهباء: الخمر، والخرطوم أول ما ينزل منها صافيا.
(٤) المستجيب: العود، واستماع الصنج له كناية عن اتساق أنغامهما. الفضل: اللابسة ثوبا واحدا.
(٥) العمدة ١/ ٣٧.
(٦) الطبرى (طبعة أوربا) ١/ ١١٢٦.
(٧) أغانى (طبعة الساسى) ١٤/ ١٦ وتاريخ الطبرى ١/ ١٤٠٠.
(٨) النمارق: جمع نمرقة وهى الطنفسة والوسادة الصغيرة.
(٩) وامق: محب.

<<  <  ج: ص:  >  >>