وتتوالى ألفاظ القرآن فى الأبيات كما هو واضح فى ألفاظ: {(فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ)} و (ك {الْجَرادَ} ال {مُنْتَشِرٌ)} و {(إِحْدَى الْكُبَرِ)}. وكان يعرف كيف يضع اللفظة والآية القرآنية فى مكانها السوىّ. وتارة كان يضمّن هذا الهجاء بعض أبيات شعرية من مثل قوله:
وهبت لنا ابن حرب طيلسانا ... يزيد المرء ذا الضّعة اتّضاعا
ولست أشكّ أن قد كان قدما ... لنوح فى سفينته شراعا
وقد غنّيت إذ أبصرت منه ... جوانبه على تدنى تداعى
«قفى قبل التفرّق يا ضباعا ... ولا يك موقف منك الوداعا»
وسخرية مرة أن يزعم أن هذا الطيلسان العتيق كان شراعا لسفينة نوح فى أعتق الأزمنة، وصوّر نفسه ملتاعا إزاء تداعيه على جسده نفس لوعة القطامى التى اشتعلت فى صدره عند فراقه لصاحبته «ضباعة». وقطع كثيرة كان يتغنى فى نهايتها بأبيات على شاكلة بيت القطامى تصور أساه، ودائما يعرف كيف يختارها، مما جعل القدماء يقولون إنه كان يحسن التضمين فى شعره سواء لأبيات الشعر أو للألفاظ والآيات القرآنية. ومرّ بنا فى غير هذا الموضع أن سعيد بن أحمد بن خوسنداذ أهداه شاة هزيلة فمضى يكثر من نظم مقطوعات كثيرة فى تلك الشاة مصورا هزالها وبؤسها، صانعا نفس ما صنعه بهجاء طيلسان ابن حرب من التضمين لأبيات الشعر المشهورة فى الغزل والحب، من مثل قوله:
مرّت على علف فقامت لم تسر ... عنه وغنّت والمدامع تسجم
«وقف الهوى بى حيث أنت فليس لى ... متأخّر عنه ولا متقدّم»
والبيت الثانى من قطعة فى الغزل مشهورة لأبى الشيص كان يعجب بها معاصره أبو نواس إعجابا شديدا. وعلى الرغم مما كانت منادمة الخلفاء توفّره له من أموال كان يدعى الحاجة وأنه مقتّر عليه فى الرزق، وله يشكو ضيق عيشه. بينما غيره موسّع له فى الرزق ينعم أسباب الترف والنعم.