الشاقة من فريضة الحج وحدها، بل كان يحلّه من جميع الفرائض رافعا عنه التكليف إذ أصبح مساويا للحق. ومن الممكن أن يكون دعا سرّا للقرامطة وأن تكون هذه الدعوة من الأسباب فى سجنه وصلبه. وقد نفّذ الحكم عليه فى الثانى عشر من ذى القعدة لسنة ٣٠٩ فضرب ألف سوط ثم قطعت يداه ورجلاه، وحزّ رأسه ونصب يومين على الجسر، ثم حمل إلى خراسان فطيف به هناك، أما جثته فأحرقت وألقى برمادها فى دجلة. وهرب مريدوه إلى خراسان وأخذوا يحيون بها ذكراه، وظلت خالدة على مرّ الأجيال بين متصوفة العرب والفرس والترك.
وكان أهم ما جعل بعض العلماء والناس فى عصره حتى اليوم يذهبون إلى زندقته نظريته فى الخالق وخلقه فقد كان يظهر أنه يؤمن فى الخالق بتنزيهه كما يبدو ذلك فى كلمات كثيرة له مثل:«إن الله تعالى لا تحيط به القلوب ولا تدركه الأبصار ولا تمسكه الأماكن ولا تحويه الجهات ولا يتصوّر فى الأوهام ولا يتخايل للفكر ولا يدخل تحت كيف ولا ينعت بالشرح والوصف» وهذا تنزيه مطلق عن النشبيه بالمخلوقات ولكنه كان يعود فيقول إن الإنسان إذا أقبل على تحمل المشاق والآلام انطبعت فى نفسه الصورة الإلهية. فالله يرى فيه، مع إيمانه بأنه غير مخلوقاته وأنه فوق كل شئ، وهذا هو معنى قوله: أنا الله وأنا الحق، فهو صورة له، وليس هو بعينه، وكأنما الأثر القديم:«إن الله خلق آدم على صورته»، هو الذى جعله ينطق بالكلمتين السابقتين، وهو لا يريد ظاهرهما، إنما يريد أن الله يتجلّى فيه، كما يتجلّى فى خلقه ومن هنا أثر عنه أنه كان يقول: ما رأيت شيئا إلا ورأيت الله فيه. وهو لم يستمد النظرية من الأثر السابق وحده فقد استمدها أيضا من نظرية الناسوت واللاهوت اللذين يؤلفان الطبيعة الثنائية للمسيح، إذ آمن باتحاد الناسوت وهو الروح الإنسانى فى اللاهوت وهو الروح الإلهى، وبذلك يظهر الله بصورته فى الإنسان، ونراه يصرح بذلك إذ يقول فى الطّواسين: