وهو يشير فى البيت الأول إلى آدم وفى البيتين الثانى والثالث إلى ذريته، فهم جميعا ناسوت يظهر أسرار اللاهوت، ويصدق ذلك على الحلاج كما صدق عند المسيحين على عيسى، ومن هنا قال عن نفسه كما قدمنا: أنا الحق أو أنا الله، ومثّل ذلك فى عبارات طنانة، وهو فيها تارة يشعر بالانفصال بين الطبيعتين وأنهما لا تمتزجان فى مثل قوله:«اللهم إنك المتجلى من كل جهة المتخلى من كل جهة، بحق قيامك بحقى وبحق قيامى بحقك، وقيامك بحقى يخالف قيامى بحقك، فإن قيامى بحقك ناسوتية وقيامك بحقى لاهوتية»، وتارة ثانية يشعر بأنهما ممتزجتان امتزاجا تامّا؛ يقول مخاطبا ربه:
مزجت روحك فى روحى كما ... تمزج الخمرة بالماء الزّلال
فإذا مسّك شئ مسّنى ... فإذا أنت أنا فى كلّ حال
وكأنه يشاهد الله فى ذاته، أو كأنما حلّ اللاهوت فيه بالضبط كما آمن المسيحيون فى المسيح، فالروح الإلهية أو اللاهوت يحلّ فيه حتى لتشعّ أنواره فى كل كيانه، ويصور ذلك بمثل قوله:
حويت بكلّى كلّ كلّك يا قدسى ... تكاشفنى حتى كأنك فى نفسى
وقوله:
أنت بين الشّغاف والقلب تجرى ... مثل جرى الدموع من أجفانى
وتحلّ الضمير جوف فؤادى ... كحلول الأرواح فى الأبدان
وهكذا تجرى على لسانه كلمة الحلول، وكل ذلك يؤكد أنه تثقف بالثقافة المسيحية وعرف ما قيل فيها من طبيعة المسيح معرفة بيّنة واستقر فى نفسه أن كل ما قيل عن اللاهوت والناسوت فيه يصدق على كل متصوف جاهد جهادا عنيفا فى الاتصال بربه ومحبته محبة تملك عليه الشغاف من قلبه، حتى ليحس فى قوة بالاتحاد معه، مما جعله يقول:
أنا من أهوى، ومن أهوى أنا ... نحن روحان حللنا بدنا