للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والكلاب حين تدلع ألسنتها لاهثات كأنما ألسنتها لحى مرسلة على الذقون، وقد فحصت المرج البزاة والكلاب فحصا دقيقا حتى لكأنها أنامل دقيقة لسيدة تفلى القطن وتخلّص الحبّ منه، فلا تبقى حبة مختبئة، بل كل الحب يستخلص، تستخلصه أنامل مرهفة. ومرّ بنا فى الفصل الرابع تصوير البحترى لصيد الأسد وكذلك تصويره لصيده الذئب وقد لقيه فى فلاة موحشة، وهما لوحتان رائعتان.

ولابن الرومى غير قصيدة فى الطّرد والصيد، ونكتفى من طردياته بالقطعة التالية التى يصور فيها صيد صحابه للطير، وقد تقلّدوا أوعية حمراء من جلد أودعوها كثيرا من البندق الذى يرمى به. وأشرعوا أقواسهم مسدّ دين البندق منها للطير الهاجع وقت السحر، يقول (١):

وجدّت قسىّ القوم فى الطير جدّها ... فظلّت سجودا للرّماة وركّعا

طرائح من بيض وسود نواصع ... تخال أديم الأرض منهن أبقعا (٢)

فكم ظاعن منهن مزمع رحلة ... قصرنا نواه دون ما كان أزمعا (٣)

وكم قادم منهنّ مرتاد منزل ... أناخ به منا منيخ فجعجعا (٤)

هنالك تغدو الطير ترتاد مصرعا ... وحسبانها المكذوب ترتاد مرتعا

مباح لراميها الرّمايا كأنما ... دعاها له داعى المنايا فأسمعا

لها عولة أولى بها ما تصيبه ... وأجدر بالإعوال من كان موجعا

وما ذاك إلا زجرها لبناتها ... مخافة أن يذهبن فى الجوّ ضيّعا

وظلّ صحابى ناعمين ببؤسها ... وظلّت على حوض المنيّة شرّعا (٥)

ويبثّ ابن الرومى فى وصفه حيوية خافقة، فالطير ماتنى ساقطة ساجدة راكعة، منها ما هبط إلى الأرض جشّة هامدة، ومنها ما هو فى سبيله إلى الهبوط، وهى مطروحة فى الأرض أبيضها وأسودها، وكأنما أصبحت الأرض أديما مخطّطا،


(١) الديوان ص ٣٠٠.
(٢) الأبقع: ما ببه سواد وبياض.
(٣) يريد بالنوى وجهته فى الارتحال. مزمع: عازم.
(٤) الجعجعة: صوت البعير ورغاؤه عند إناخته.
(٥) شرعا: واردة الماء.

<<  <  ج: ص:  >  >>