للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكم طائر كان يريد الارتحال فحالوا بينه وبين وجهته، وكم طائر كان يريد المقام سقط دون أمنيته، وهو يصرخ صراخ البعير عند إناخته، لقد كان يريد المرتع الخصب فإذا هو يجد المصرع الذى لم يكن له على بال، وكأنما دعاه ودعا رفاقه من الرمايا داعى الموت فأسمع وأصمى، والطير تعول غير متنبهة للرمى والرماة، خيفة على بناتها من أن تضل الطريق فى الجو، على حين تترامى على حياض الموت، بؤس ما بعده بؤس والصائدون ناعمون نعيما ما بعده نعيم. وقد عرضنا فى غير هذا الموضع بعض طرديات لابن المعتز. ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا إنه أكبر شاعر نظم طرديات فى العصر. ويذكر مترجموه أنه صنّف كتابا فى جوارح الصيد وضواريه، ولا يكاد ضار أو جارح يفلت منه فى شعره أو قل فى طردياته، فمنها ما يصف فيه كلاب الصيد وفهوده ومنها ما يصف فيه بزاته وصقوره، ومنها ما يصف شباكه وبندقه، ودائما تجرى الكلاب وراء الظباء والأرانب حتى تصيدها وقلما أفلتت منها، ومن قوله فى كلبة ماهرة فى الصيد (١):

قد أغتدى والليل كالغراب ... داجى القناع حالك الخضاب

بكلبة تاهت على الكلاب ... تفوت سبقا لحظة المرتاب

تنساب مثل الأرقم المنساب ... كأنما تنظر من شهاب

بمقلة وقف على الصواب

فهو يخرج بكلبته وقت السحر، والليل لا يزال فى دجاه وحلوكته، تصحبه كلبة تيّاهة على الكلاب بسرعتها حتى لتسبق لحظة من وقعت فى نفسه الريبة، فهو ينظر خلسة وفى سرعة يريد أن يتحقق من صحة ريبه، وهى تنساب زاحفة كأنها أفعى، مسرعة لا تلوى، ناظرة لا بعين لمّاحة، وإنما بشهاب قبس، مقلة لا تخطئ الصيد، بل دائما تصيب وتصيد. ومن قوله فى وصف باز من بزاته (٢):


(١) الديوان وأشعار أولاد الخلفاء ص ٢٠٩.
(٢) أشعار أولاد الخلفاء للصولى ص ٢٠٩. والمصايد والمطارد الكشاجم ص ٦٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>