للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مجالسه، ولذلك شغف الأدباء فى عصر المبرد وبعد عصره بهذا الكتاب، وعدّوه أحد كتب الأدب الأربعة الأساسية. ونراه يتأثر بما كتبه الجاحظ عن فنون البيان، فيشير إلى الحقيقة والمجاز والاستعارة، ويتحدث عن الكناية ويوزّعها على ثلاثة أنواع، فهى إما للتعمية وإما لتحاشى اللفظ الخسيس وإما للتفخيم (١)، ويجعل التشبيه أربعة أضرب، فهو إما تشبيه مفرط، وإما تشبيه مصيب، وإما تشبيه مقارب، وإما تشبيه بعيد (٢). والكتاب يمثل ذوقا محافظا، فليس فيه أى شئ يتصل بآراء الأجانب فى البيان والبلاغة، وليس فيه أىّ استضاءة بهذه الآراء.

ومن الغريب أن نجد ابن قتيبة، وسنعرف فى موضع آخر أنه كان مثقفا بالثقافات الأجنبية المعاصرة، يجنح فى ذوقه إلى هذه البيئة اللغوية المحافظة فى كتابه «أدب الكاتب» وقد مضى فيه يعرّف الكتّاب بالاستعمالات اللغوية الصحيحة للكلمات، فمن ذلك الطّرب يذهب الناس إلى أنه فى الفرح دون الجزع، وليس كذلك إنما الطرب خفّة تصيب الرجل لشدة السرور أو لشدة الجزع (٣)، ومن ذلك المأتم يذهب الناس إلى أنه المصيبة، يقولون كنا فى مأتم، وليس كذلك إنما المأتم النساء يجتمعن فى الخير والشر، والجمع مآتم، والصواب أن يقولوا كنا فى مناحة، وإنما قيل لها مناحة من النوائح لتقابلهن عند البكاء (٤). ويظل يفتح نحو خمسين بابا لتعليم الكتّاب ألفاظا يجب أن يعرفوا دقة استخدامها، منها ما يتصل بأسماء الحيوان ومنها ما يتصل بأسماء الأفلاك، ومنها ما يتصل بأسماء النبات، ومنها ما يعرف واحده ويشكل جمعه، ومنها ما يتصل بالطعام أو الشراب أو الثياب أو السلاح. ويخرج من ذلك إلى أبواب تتصل بكتابة الكلمات من ذوات الألف أو الواو أو الياء إلى غير ذلك. وينتقل إلى أبواب تقويم اللسان ناصّا فيها على ما يسبّبه السماع للعامة من الوقوع فى الخطأ كأفعال تهمز والعامة تدع حذفها وما هو بالسين ويقولونه بالصاد وما جاء مفتوحا وهم يكسرونه إلى جمّ من مثل هذه المسائل. ويمضى إلى أبنية الأفعال ومعانيها وأبنية الأسماء ومعانيها، وفى أثناء ذلك يعقد بابا طريفا (٥) لما يتكلم به العامة من الكلام الأعجمى، سواء


(١) الكامل للمبرد (طبعة رايت) ص ٤١٢.
(٢) الكامل ص ٥٠٦.
(٣) أدب الكاتب لابن قتيبة (طبعة ليدن) ص ٢٢.
(٤) أدب الكاتب ص ٢٤.
(٥) أدب الكاتب ص ٥٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>