للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا صلة بين الطرفين إلا فى الاسم، وهؤلاء هم الذين كانت الدولة تطاردهم أحيانا كما مرّ بنا فى غير هذا الموضع، أما قصّاص المساجد الوعّاظ فكانوا موضع رعاية الدولة منذ عصر بنى أمية، وظل ذلك بعدهم، حتى لنجد بعض من يسند إليهم القصص فى المساجد يسند إليهم القضاء (١). أما الوعّاظ فكان منهم دائما خطباء المساجد فى الجمع والأعياد وائمتها فى الصلاة، وكان منهم كثيرون فصحاء بلغاء، فكان الناس يحتشدون حولهم، مكبرين لهم إكبارا عظيما.

وكانت المساجد دائما مفتوحة ليلا ونهارا، ودائما يوجد فيها الناس للصلاة وتوجد فيها حلقات التدريس، فكان الواعظ يختار أى وقت يشاء لموعظته، وإن كان عادة يجعلها تالية لبعض الصلوات. ومن كبار الوعاظ الذين شهدتهم بغداد فى العصر أبو الحسن على بن محمد الواعظ المصرى المتوفى ستة ٣٣٨ وكان يحضر مجلس وعظه الرجال والنساء.

وأخذت تنشأ منذ أوائل العصر طبقة جديدة من الوعّاظ، كانوا يسمّون بالمذكّرين، ويسمّى مجلسهم باسم مجلس الذكر أى ذكر الله وتسبيحه، وكانوا من الصوفية، بل كانوا خطباءهم ووعّاظهم الممتلئين صلاحا وتقوى وورعا، وكانوا يعظون الناس فى المساجد وفى الزوايا، خالطين الخوف بالرجاء، مستشهدين ببعض آى القرآن وبعض الحديث، وقد يفسرونهما ويعلقون عليهما، مضيفين من حين إلى حين عباراتهم الصوفية التى تأسر العقول والقلوب. ومن وعّاظهم فى العصر يحيى بن معاذ الرازى المتوفّى عام ٢٥٨ ويروى أنه جاء إلى شيراز، فصعد المنبر، واجتمع إليه الناس فأول ما بدأ به قوله:

مواعظ الواعظ لن تقبلا ... حتى يعيها قلبه أوّلا

وانهال الناس عليه بعد ذلك انهيالا. ومن أكبر وعّاظهم فى العصر أبو حمزة الصوفى المتوفى سنة ٢٦٩ وهو-كما مرّ بنا فى الفصل الثانى -أول من تكلم على رءوس المنابر ببغداد خالطا مواعظه باصطلاحات


(١) الولاة والقضاة للكندى (طبعة جيست) ص ٤٢٧

<<  <  ج: ص:  >  >>