للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن سيوفنا فينا وفيهم ... مخاريق بأيدى لاعبينا (١)

كأن ثيابنا منا ومنهم ... خضبن بأرجوان أو طلينا (٢)

والمعلقة جميعها صياح شديد على هذا النحو الذى يرفع فيه قبيلته تغلب على كل من حولها فى نجد شرقيها وغربيها، فكل من حدثته نفسه منهم بقتالها كان مصيره الهلاك والدمار، ويقول إن حياتهم سلسلة من الحروب، ويصف أسلحتهم التى يذيقون بها أعداءهم كئوس الموت المرة. ومدّ فخره إلى قبائل معد كلها بما يجذون من رءوس شجعانها، واعترف لأعدائه بشجاعتهم، فالسيوف فى أيديهم وأيدى أعدائهم كأنها مخاريق بأيدى لاعبين، وهم يقتلون فيهم، كما يقتل من قومه، فثيابهم جميعا ملطخة بالدماء. وليس عمرو وحده الذى يصف خصومه بالشجاعة، فهناك كثيرون اشتهروا بهذا الإنصاف، وتسمى قصائدهم المنصفة وفى الأصمعيات أمثلة منها طريفة، من مثل قول المفضّل النّكرى يصف موقعة بين عشيرته من بنى نكرة بن عبد القيس وعشيرة عمرو بن عوف، يقول (٣):

كأن هزيزنا يوم التقينا ... هزيز أباءة فيها حريق (٤)

وكم من سيد منا ومنهم ... بذى الطّرفاء منطقه شهيق (٥)

فأشبعنا السباع وأشبعوها ... فراحت كلها تئق يفوق (٦)

فأبكينا نساءهم وأبكوا ... نساء ما يسوغ بهن ريق

يجاوبن النّياح بكل فجر ... فقد صحلت من النّوح الحلوق (٧)

وطبيعى وهم يصورون هذه الملاحم أن يصفوا أسلحتهم على نحو ما تقدم عند عمرو بن كلثوم، وهناك كثيرون يطيلون فى وصفها ووصف الخيل التى يركبونها فى للقاء. وممن اشتهر بينهم بوصف الأسلحة أوس بن حجر فى لامية له مشهورة أطال بها فى تصوير سيفه ورمحه ودرعه وقوسه، ويلقانا هذا الوصف كثيرا فى المفضليات


(١) المخاريق: المناديل تلف ويلعب بها، مبة كانت عندهم.
(٢) الأرجوان: صبغ أحمر.
(٣) الأصمعيات ص ٢٣٣ وما بعدها.
(٤) الهزيز: الصوت، الأباءة: أجمة الغاب.
(٥) ذو الطرفاء: موضع المعركة.
(٦) تئق: ممتلئ، يفوق: يأخذه البهر.
(٧) صحلت: بحت.

<<  <  ج: ص:  >  >>