للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأصمعيات (١)، كما يلقانا معه وصفهم للخيل وكانوا يلقبونها بالأسماء، وممن اشتهر فى هذا الوصف أبو دؤاد الإيادى وزيد الخيل وعمرو بن معد يكرب وغيرهم من فرسانهم المعدودين، وتزخر المفضليات والأصمعيات بهذا الوصف عند من سميناهم وغيرهم.

وفى الحق أن هذا اللون من شعرهم ليس شعر قوة وبطولة فحسب، فقد تغنوا فيه بكريم الشيم وكل ما اتخذوه مثلا رفيعا لهم فى حياتهم وسلوكهم، من كرم ووفاء وغير كرم ووفاء، فعلى نحو ما صوروا فيه بطولة وشجاعة نادرة صوروا كثيرا من الفضائل الحميدة على شاكلة ما نقرأ فى ميمية ربيعة بن مقروم إذ يقول (٢):

وإن تسألينى فإنى امرؤ ... أهين اللئيم وأحبو الكريما

وأبنى المعالى بالمكرمات ... وأرضى الخليل وأروى النديما

ويحمد بذلى له معتف ... إذا ذمّ من يعتفيه اللئيما (٣)

وأجزى القروض وفاء بها ... ببؤسى بئيسى ونعمى نعيما (٤)

وقومى فإن أنت كذّبتنى ... بقولى فاسئل بقومى عليما

يهينون فى الحق أموالهم ... إذا اللّزبات انتحين المسيما (٥)

طوال الرماح غداة الصباح ... ذوو نجدة يمنعون الحريما

وهو يذكر فى البيت الثانى أن من شيمه أن يروى نديمه بالخمر، ويكثر فى حماستهم تمدحهم بأنهم يسقون ندماءهم الخمر وأنهم يأخذون حظهم من الغناء وسماع القيان ولعب الميسر (٦)، وكأن فى ذلك إعلانا عن كرمهم وبذلهم على نحو ما تقدم فى غير هذا الموضع عن طرفة وفتوته. وربما كان ذلك هو أصل ذكر الخمر ووصفها فى الشعر الجاهلى على نحو ما هو معروف عن الأعشى وعدى بن زيد


(١) انظر المفضليات ص ٩٥ وما بعدها ورقم ٦٤ و ٧٥ والأصمعيات رقم ٦٢ و ٦٥.
(٢) المفضليات ص ١٨٣.
(٣) المعتفى: السائل فى غير طلب.
(٤) البؤس والبئيسى بمعنى، يقول يجزى بالسيئة مثلها وكذلك الحسنة.
(٥) اللزبات: الشدائد، انتحى: قصد، المسيم: الكثير الإبل والغنم، اشتقه من السائمة.
(٦) المفضليات رقم ١١٣، ١٢٠

<<  <  ج: ص:  >  >>