للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خالد والعتّابى ومن أشبه هؤلاء من مؤلفى الكتب فيأتينى أولئك القوم بأعيانهم الطاعنون على الكتاب الذى كان أحكم من هذا الكتاب لاستنساخه وقراءته علىّ، ويكتبونه بخطوطهم ويصيّرونه إماما يقتدون به ويتدارسونه بينهم ويتأدبون به ويستعملون ألفاظه ومعانيه فى كتبهم وخطاباتهم ويروونه عنى لغيرهم من طلاب ذلك الجنس فتثبت لهم به رياسة. ويأتمّ بهم قوم فيه لأنه لم يترجم باسمى ولم ينسب إلى تأليفى». وقد يكون فى ذلك ما يدل على أن المؤلف رأى أن يحاكى الجاحظ فى إنكاره لاسمه أحيانا على بعض آثاره، فنسبه إليه. ليرى رأى الناس فيه وحكمهم عليه. وربما كان هو نفس مؤلف كتاب المحاسن والمساوى الذى سنعرض له عما قليل. ومما يشهد بأن الكتاب ليس للجاحظ وإنما هو لمؤلف تال لعصره أن نجد فيه نقولا عن عبد الله بن المعتز (١)، وكان فى الثامنة من عمره حين توفى الجاحظ.

والكتاب مجموعة كبيرة من المناظرات فى الأخلاق والشمائل، فكل خلق أو كل شئ تعرض محاسنه ثم تعرض معايبه، وتصوّر المعايب والمحاسن فى أخبار وأقاصيص وحكايات، تلتقى فيها الثقافات المعروفة حينئذ وما كان يتسرب منها إلى كتب السمر، وفى مقدمتها الثقافة الإسلامية، وهى تتضح فى الاقتباس أحيانا من الذكر الحكيم (٢) والاستشهاد الدائم بالأحاديث النبوية (٣)، وتتسع الثقافة الدينية لتجلب بعض أقوال الزهاد أو بعض قصص الأنبياء أو بعض وصايا من التوراة من مثل: «اشكر من أنعم عليك، وأنعم على من شكرك، فإنه لا زوال للنعم إذا شكرت ولا إقامة لها إذا كفرت، والشكر زيادة فى النعم وأمان من الغير» (٤) وبجانب ذلك تلقانا عناصر كثيرة من الثقافة العربية فى مقدمتها الأمثال (٥)، والأشعار وهى أكثر من أن ندلّ عليها فى موضع معين من الكتاب. وتكثر أخبار الجاهليين وأقاصيصهم المصوّرة لمكارم أخلاقهم أو مذامها. وبالمثل أخبار حكّام العرب وحكاياتهم على توالى الحقب من إسلاميين وعباسيين وخاصة حكام بنى أمية والرشيد والمأمون، وتكثر أخبار الأعراب وأقاصيصهم ويلمع فيها اسم الأصمعى.


(١) المحاسن والأضداد (طبع دار مكتبة العرفان ببيروت) ص ١٣٨، ١٦٩.
(٢) المحاسن والأضداد ص ٣٩، ٤٢.
(٣) انظر مثلا ص ٣٢.
(٤) المحاسن والأضداد ص ٣١.
(٥) انظر مثلا ص ٥٥، ١٠٤، ١٧٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>