نرى ذلك وفى كتاب ديننا (كتاب زرادشت: الأفستا) من فعل معروفا خفيّا وأظهره ليتطوّل به على المنعم عليه فقد نبذ الدين وراء ظهره واستوجب ألا نعدّه من الأبرار ولا نذكره فى الأتقياء والصالحين. وسئل الإسكندر: ما أكبر ما شيّدت به ملكك؟ قال: ابتدارى إلى اصطناع الرجال والإحسان إليهم. وكتب أرسططاليس فى رسالته إلى الإسكندر: اعلم أن الأيام تأتى على كل شئ فتخلقه (فتبليه) وتخلق آثاره وتميت الأفعال إلا ما رسخ فى قلوب الناس، فأودع قلوبهم محبة بأثرك تبقى بها حسن ذكرك وكريم فعالك وشريف آثارك. ولما قدّم بزرجمهر (وزير فارسى) إلى القتل قيل له: إنك فى آخر وقت من أوقات الدنيا وأول وقت من أوقات الآخرة، فتكلم بكلام تذكر به، فقال: أى شئ أقول، الكلام كثير ولكن إن أمكنك أن تكون حديثا حسنا فافعل. وتنازع رجلان أحدهما من أبناء العجم والآخر أعرابى فى الضيافة فقال الأعرابى: نحن أقرى للضيف، قال:
وكيف ذلك؟ قال: لأن أحدنا ربما لا يملك إلا بعيرا فإذا حلّ به ضيف نحره له، فقال له الأعجمى: فنحن أحسن مذهبا فى القرى (الضيافة) منكم، قال:
وما ذلك، قال: نحن نسمى الضيف: مهمان، ومعناه أنه أكبر من فى المنزل وأملكنا له. وقال المأمون: الجود بذل الموجود والبخل سوء الظن بالمعبود. وشكا رجل إلى إياس بن معاوية (قاضى البصرة المشهور فى العصر الأموى) كثرة ما يهب ويصل وينفق، فقال: إن النفقة داعية إلى الرزق، وكان جالسا بين بابين فقال للرجل:
أغلق هذا الباب، فأغلقه، فقال: هل تدخل الريح البيت قال: لا، قال:
فافتحه، ففتحه، فجعلت الريح تخترق البيت، فقال: هكذا الرزق أغلقت البيت فلم تدخل الريح، فكذلك إذا أمسكت لم يأتك الرزق. ونزل على حاتم ضيف ولم يحضره القرى فنحر ناقة الضيف وعشّاه وغدّاه، وقال له: إنك أقرضتنى ناقتك فاحتكم علىّ، قال الرجل: راحلتين قال حاتم: لك عشرون أرضيت؟ قال: نعم وفوق الرضا. . . وقيل فى المثل هو أجود من كعب بن مامة الإيادى، وبلغ من جوده أنه خرج فى ركب فيهم رجل من بنى النّمر فى شهر قيظ. فضلّوا وتصافنوا (تقاسموا بالحصص) ماءهم، فجعل النمرى يشرب نصيبه ويظهر أنه عطشان، فكان كعب إذا أصاب نصيبه قال للساقى: آثر أخاك النّسرىّ حتى أضرّ به العطش فلما رأى ذلك استحثّ راحلته وبادر حتى وصل