للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ورد ماء، وقيل له: رد كعب، إنك وارد، ولكن العطش غلبه فمات. . .

ومن قول أبى تمام.

ولو لم يكن فى كفه غير نفسه ... لجاد بها فليتّق الله سائله»

وإنما سقنا ذلك كله لندل على المزيج الثقافى الذى يتكوّن منه كتاب المحاسن والأضداد، وهو مزيج به عناصر قصصية عن الأنبياء وعناصر إسلامية من الحديث التبوى وعناصر عربية من أخبار العرب رجالا ونساء، وعناصر فارسية من أخبار الفرس وحكاياتهم وعناصر يونانية من أخبار الإسكندر المقدونى وكلاّم أرسططاليس. وبين السطور نحسّ شعوبية المؤلف حين يعلى ضيافة الفرس وكرمهم على ضيافة العرب وما عرف عنهم من خصلة الكرم والجود.

ولم يكفه ذلك فقد جعل حاتما يذبح ناقة ضيفه ليقدّم له الغداء والعشاء، وإن عاد يقول إنه أعطاه بدلا منها عشرين ناقة، فكأنه يريد أن يستر شعوبيته. ولعل هذا الجانب فى الكتاب هو الذى جعل المؤلف لا يظهر اسمه، حتى لا يؤخذ به. وفى هذه الفقرة الطويلة ما يصور سيول الأخبار وما قد يكون فيها من قصّ. ودائما نلتقى فى الكتاب بطرائف من الحكم والأخبار، على نحو ما جاء فى محاسن حفظ اللسان إذ قيل: إنه تكلم أربعة من الملوك بأربع كلمات كأنما رميت عن قوس واحد، قال كسرى: أنا على ردّ ما لم أقل أقدر منى على ردّ ما قلت. وقال ملك الهند: إذا تكلمت بكلمة ملكتنى وإن كنت أملكها. وقال قيصر: لا أندم على ما لم أقل وقد ندمت على ما قلت. وقال ملك الصّين: عاقبة ما قد جرى به القول أشد من الندم على ترك القول (١). وفى الكتاب قصص كثير متنوع فى موضوعاته وفى مصادره وموارده، ويكثر فيه القصص عن المرأة العربية، وكذلك عن المرأة الفارسية، فمما جاء فيه عن المرأة العربية قصة رواها العتبى على هذا النمط (٢):

«قال العتبى: كنت كثير التزوج فمررت بامرأة فأعجبتنى، فأرسلت إليها ألك زوج؟ قالت: لا فصرت إليها، فوصفت لها نفسى، وعرّفتها موضعى فقالت: حسبك قد عرفناك، فقلت لها: زوّجينى نفسك، قالت نعم:


(١) المحاسن والأضداد ص ٢١.
(٢) المحاسن والأضداد ص ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>