للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال (١): «عن أبى مسلم الخولانى قال: إنه خرج إلى السوق بدرهم يشترى لأهله دقيقا، فعرض له سائل، فأعطاه بعضه، ثم عرض له سائل آخر فأعطاه الباقى فأتى درب النّجّارين، فملأ جرابه أو مزوده من نشارة الخشب، لتنتفع بها امرأته فى إيفاد التّنّور وأتى منزله، فألقاه، وخرج هاربا من زوجته. وأخذته فإذا هو دقيق أبيض حوّارى (فاخر) لم تر مثله، فعجنته وخبزته، فلما جاء ووجد الخبز سألها: من أين لك هذا الخبز، قالت له: من الدقيق الذى جئتنا به»! . ويذكر الكتاب كرامة لسفيان الثورى لا تقل غرابة عن الكرامة السابقة. ولا نريد أن نسترسل فى نقل هذا القصص الكثير الذى يزخر به كتاب المحاسن والأضداد، إنما نريد أن نوضح كيف أن هذا القصص يحتوى على عناصر مشوقة كثيرة. وأنه كان يدخل فى الأدب الشعبى العام، ولذلك يخلو من استعمال السجع والأساليب المنمقة، والطريف أنه عرض ليجسّم وجهين متقابلين فى كل خلق وكل خصلة، فمثلا الصدق له محاسنه، ولهذه المحاسن أقاصيصها وله معايبه، ولهذه المعايب أقاصيصها. وبالمثل كل فضيلة، فوفاء النساء لمحاسنه أقاصيصها ولمعايبه أقاصيص تقابلها وتناقضها أشد المناقضة. وبذلك يأخذ عرض هذه الأقاصيص وما يتصل بها من الأخبار والأقوال والأشعار شكل مناظرات أدبية لا تعتمد على الجدال والحوار بالدليل ضد الدليل والحجة العقلية ضد الحجة العقلية، وإنما على الحوار والجدال بالخبر ضد الخبر والشعر ضد الشعر والقصة ضد القصة والحكاية ضد الحكاية.

ويلتقى بهذا الكتاب فى موضوعاته وأكثر مادّته كتاب المحاسن والمساوى لإبراهيم بن محمد البيهقى، وقد أغفلت الحديث عنه كتب التراجم. غير أنه يفهم مما ذكره عن الخليفة المقتدر فى آخر حديثه (٢) عن محاسن المسامرة أنه ألف كتابه فى زمنه. وهو يستهلّ كتابه بالحديث عن فضائل الكتب ووصف محاسنها مثل المحاسن والأضداد، ويماثله أيضا فى النقل كثيرا عن الجاحظ. ثم يفتح طائفة من الفصول لم ترد فى الكتاب السالف يتحدث فيها عن محاسن الرسول صلى الله عليه وسلم


(١) المحاسن والأضداد ص ١٤١.
(٢) انظر المحاسن والمساوى (نشر مكتبة نهضة مصر ومطبعتها) ٢/ ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>