طاعة مطيعهم، وماضى أمره فى عصيان عاصيهم، فبيّن لهم ما يأتون وما يتّقون، ونهج لهم سبل النجاة، وحذّرهم مسالك الهلكة، وظاهر عليهم الحجة، وقدّم إليهم المعذرة، واختار لهم دينهم الذى ارتضى لهم وأكرمهم به، وجعل المعتصمين بحبله والمتمسكين بعروته أولياءه وأهل طاعته، والعاندين عنه والمخالفين له أعداءه وأهل معصيته {(لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ)}. والحمد لله الذى اصطفى محمدا رسوله من جميع بريّته، واختاره لرسالته، وابتعثه بالهدى والدين المرتضى إلى عباده أجمعين، وأنزل عليه الكتاب المبين المستبين، وتأذّن له بالنصر والتمكين، وأيّده بالعز والبرهان المتين، فاهتدى به من اهتدى، واستنقذ به من استجاب له من العمى، وأضلّ من {(أَدْبَرَ وَتَوَلّى)} حتى أظهر الله أمره، وأعزّ نصره، وقهر من خالفه، وأنجز له وعده، وختم به رسله، وقبضه مؤدّيا لأمره، مبلغا لرسالته، ناصحا لأمته، مرضيّا مهتديا إلى أكرم مآب المنقلبين، وأعلى منازل أنبيائه المرسلين، وعباده الفائزين، فصلّى الله عليه أفضل صلاة وأتمّها، وأجلّها وأعظمها، وأزكاها وأطهرها، وعلى آله الطيبين».
ويكثر السجع فى مقدمة هذه الرسالة التى كتبت لسنة ٢٨٤ وهو شئ طبيعى، فقد دخل السجع الرسائل الديوانية، وحقّا لم يطّرد فيها بعد، حتى فى هذه الرسالة نفسها فإن عبيد الله تخلص بعد ذلك منه فى الرسالة. وقد مضى يصور استجابة بنى هاشم للرسول عليه السلام حين دعا قومه للهدى ومؤازرتهم له ومناصرتهم بينما كان ممن عانده ونابذه وكذبه وحاربه أبو سفيان بن حرب وأشياعه من بنى أمية، حتى علت كلمة الله وهم لها كارهون. ثم يذكر آثارا فى ذم أبى سفيان وابنه معاوية وما كان من حربه لأفضل المسلمين فى الإسلام مكانا وأقدمهم إليه سبقا وأحسنهم فيه أثرا وذكرا على بن أبى طالب. ويذكر أعمال معاوية وكيف أنه أباح المحارم ومنع الحقوق أهلها وقتل صبرا نفرا من خيار التابعين ويعرض أعمال يزيد بن معاوية وإيقاعه بأهل الحرّة وسفكه دم الحسين مع موقعه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومكانه منه ومنزلته من الدين والفضل، اجتراء على الله وكفرا بدينه وعداوة لرسوله ومجاهدة لعترته واستهانة بحرمته. ويذكر ما كان من