بنى مروان من تعطيل كتاب الله وأحكامه ونصبهم المجانيق على بيته ورميهم له بالنيران استباحه وانتهاكا، ويختمها بقوله:
«أيها الناس بنا هداكم الله، ونحن المستحفظون فيكم أمر الله، ونحن ورثة رسول الله والقائمون بدين الله، فقفوا عند ما نقفكم عليه. وانفذوا لما نأمركم به، فإنكم ما أطعتم خلفاء الله وأئمة الهدى على سبيل الإيمان والتقوى. وأمير المؤمنين يستعصم الله لكم. ويسأله توفيقكم. ويرغب إلى الله فى هدايتكم لرشدكم وفى حفظ دينه عليكم. حتى تلقوه به مستحقين طاعته مستحقبين (حاملين) لرحمته».
وراجع المعتضد نفسه، وخشى أن يجمع الكتاب قلوب العامة حول العلويين، لما كان لجدّهم على بن أبى طالب من بلاء عظيم فى إعلاء كلمة الله وإلقاء كفار قريش له عن يد وهم صاغرون. وفى الكتاب إطراء عظيم له ولأبنائه. فأمسك عما كان عزم عليه. وواضح من الفقرة الأخيرة أن عبيد الله كاتبه، إن كان تخلص من السجع بعد تقديمه فإنه ظل يحتفل بصياغته، ويبدو أنه كان يستخدم السجع فى جوانب من كتابته فى الحين بعد الحين. وخاصة فى توقيعاته. فقد كتب إليه أبو العيناء يذكّره بأمره وأنه من زرعه وغرس يده. فوقّع فى رقعته (١):
«أنا-أسعدك الله-على الحال التى عهدت، وميلى إليك كما علمت، وليس من أنسيناه أهملناه. ولا من أخّرناه تركناه. مع اقتطاع الشغل لنا، واقتسامه زماننا، وكان من حقك علينا أن تذكّرنا بنفسك، وتعلمنا أمرك، وقد وقّعت لك برزق (راتب) شهرين لتزيح علتك وتعرّفنى مبلغ استحقاقك، لأطلق لك باقى أرزاقك، إن شاء الله، والسلام».
والتوقيع-كما هو واضح-سجع خالص، وسنرى عما قليل أن سريان السجع فى الرسائل الشخصية طوال القرن الثالث الهجرى كان أقوى منه فى الرسائل الديوانية، حتى إذا كان عصر المقتدر (٢٩٥ - ٣٢٠ هـ) أخذ السجع يعم فى جميع ما يصدر من الرسائل الديوانية، فليس هناك وزير ولا كاتب فى الدواوين إلا وهو يتأنق فى كتابته ويبالغ فى تأنقه حتى يجعل كتابته سجعا خالصا. وبذلك