للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«الحمد لله الذى خصّك بمنافع ما أهدى إليك، فجعلك تهتزّ للمكارم، اهتزاز الصارم (السيف)، وتمضى فى الأمور، مضاء السيف المأثور (المتألّق اللامع) وتصون عرضك بالإرفاد (الإعطاء) كما تصان السيوف فى الأغماد، ويظهر دم الحياء فى صفحة خدّك المشوف (المجلو) كما يشفّ الرونق فى صفحات السيوف، وتصقل شرفك بالعطيّات، كما تصقل متون المشرفيّات (السيوف)».

والرسالة تتقدم فى السجع خطوة عن سابقتها، فإن الحسن بن وهب كان يترك السجع أحيانا أما الكندى فإنه فى رسالته يتشبث بالسجع، وكأنما لحق عصرا كانت عنايته به أقوى وأشد من عصر الحسن بن وهب. ومرّ بنا أبو على البصير بين الشعراء، ويقول ابن المعتز كان كاتبا رساليّا (صاحب رسائل) ليس له فى زمانه ثان. . . وقد قلنا فى أخبار العتّابى (وكان شاعرا كاتبا): إن هذا قلما يتفق للرجل الواحد، لأن الشعر الذى للكتّاب ضعيف جدّا، فإذا اجتمعا فى الواحد فهو المنقطع القرين» (١). وقد أثرت عن أبى على البصير رسائل كثيرة، فمن ذلك رسالة كتب بها إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل مادحا له معدّدا فضائله، وفيها يقول (٢):

«إن أمير المؤمنين لما استخلصك لنفسه، وائتمنك على رعيّته، فنطق بلسانك، وأخذ وأعطى بيدك، وأورد وأصدر عن رأيك. . . ولم يزد-أكرمك الله-رفعة وتشريفا إلا ازددت له هيبة وتعظيما، ولا تسليطا وتمكينا إلا زدت نفسك عن الدنيا عزوفا وتنزيها، ولا تقريبا واختصاصا إلا ازددت بالعامة رأفة وعليها حدبا، لا يخرجك فرط النصح له عن النظر لرعيته، ولا إيثار حقه عن الأخذ بحقها عنده. . . ولا يشغلك معاناة كبار الأمور عن تفقد صغارها. .

تمضى ما كان الرشد فى إمضائه، وترجئ ما كان الحزم فى إرجائه. . . وتلين فى غير تكبر، وتعمّ فى غير تصنع، لا يشقى بك المحقّ وإن كان عدوّا، ولا يسعد بك المبطل وإن كان وليّا. . . وكافّة الرعية-إلا من غمط (بطر) منهم النعمة-مشنون عليك بحسن السيرة، ويمن النقيبة».


(١) طبقات الشعراء لابن المعتز ص ٣٩٨.
(٢) زهر الآداب ١/ ٢٤١.

<<  <  ج: ص:  >  >>