للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والرسالة كلها-على هذا النحو-هجاء وإقذاع فى الهجاء، وقد استهلها لممّحا إلى أن أبا العيناء لا يؤمن بحلال ولا حرام ولا بفرائض ولا أحكام مخرجا له من الملة حامدا لنفسه هداه وتصديق الرسل الذين يكفر بهم أبو العيناء. ثم يسبه فى حسبه وفى مذهبه ومكسبه واصفا له بالخسّة والدناءة، وأنه لا يحترم صديقا مهما أكرمه، مع الشّحّ والتعرض للناس بالسؤال والإلحاف فيه. ويقول له فى نهاية رسالته:

«قد ملت إلى السجع على علمى بخساسة حظه وركاكة معانيه ولفظه، إذ كنت تلوى به لسانك، وتثنى إليه عنانك، قطعا لحجتك، وإزاحة لعلتك».

وكان أبو العيناء على شاكلة أبى على البصير يملأ رسائله بالسجع على نحو ما نجد فى رسالة كتب بها إلى عبيد الله بن يحيى بن خاقان يشكو له ابنه محمدا إذ أهداه فرسا غير فاره، وفيها يقول (١):

«أعلم الوزير-أيده الله-أن أبا على محمدا أراد أن يبرّنى فعقّنى، وأن يركبنى فأرجلنى، أمر لى بفرس كالقضيب اليابس عجفا (هزالا) وكالعاشق المهجور دنفا (سقما). قد أذكر الرواة عروة العذرىّ، والمجنون العامرى. . .

قد حفظ الأشعار، وروى الأخبار، ولحق العلماء فى الأمصار. . . وإنما أتيت من كاتبه الأعور، الذى إذا اختار لنفسه أطاب وأكثر، وإن اختار لغيره أخبث وأنزر (قلّل)».

والرسالة سجع خالص، وكأن من الكتّاب من أخذ يصطنعه منذ أوائل هذا العصر فى بعض الرسائل، فإن لأبى العيناء نفسه رسائل أخرى فى الاستمناح (٢) وطلب النوال وفى الشكر (٣)، يكتفى فيها بالعبارة المصقولة والألفاظ المنتخبة المختارة دون أن يعنى بالسجع وترصيفه وتنميقه. ومن الكتاب البلغاء المعاصرين لأبى العيناء وأبى على البصير محمد بن مكرم، وفيه يقول صاحب الفهرست: «كاتب بليغ مترسل، وله كتاب رسائل» (٤)، وتدور له فى الكتب مجموعة من الرسائل، منها رسالة فى الاعتذار لبعض الرؤساء على هذه الشاكلة (٥):


(١) زهر الآداب ٢/ ١٦٥.
(٢) زهر الآداب ١/ ٢٩١.
(٣) زهر الآداب ٣/ ٩٥.
(٤) الفهرست ص ١٨٥.
(٥) عيون الأخبار ٣/ ١٠٥ وزهر الآداب ٣/ ٣٨٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>