للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التى لا تنازع هى الخنساء، فقد قتل أخوها معاوية فى بعض المعارك، فارتفع نشيجها وبكاؤها عليه، وقتل أيضا أخوها صخر فاتسع الجرح والتاعت لوعة شديدة، ومن رائع ما ندبت به صخرا:

قذى بعينك أم بالعين عوّار ... أم ذرّفت أن خلت من أهلها الدار (١)

كأن عينى لذكراه إذا خطرت ... فيض يسيل على الخدّين مدرار (٢)

فالعين تبكى على صخر وحقّ لها ... ودونه من جديد الأرض أستار (٣)

تبكى خناس وما تنفك ما عمرت ... لها عليه رنين وهى مقتار (٤)

بكاء والهة ضلّت أليفتها ... لها حنينان: إصغار وإكبار (٥)

ترعى إذا نسيت حتى إذا ذكرت ... فإنما هى إقبال وإدبار

وإن صخرا لتأتمّ الهداة به ... كأنه علم فى رأسه نار (٦)

ولعل من الطريف أن بعض شعرائهم كان إذا أحسّ داعى الموت ندب نفسه ووصف ما يصنعه به أهله بعد الموت من ترجيل شعره ووضعه فى مدارج الكفن، ثم لحده ودفنه، وتنسب للممزّق العبدى أو ليزيد بن الخذّاق قطعة يصور فيها هذا المصير الذى ينتظره، يقول فيها (٧):

هل للفتى من بنات الدهر من واق ... أم هل له من حمام الموت من راق (٨)

قد رجّلونى وما رجّلت من شعث ... وألبسونى ثيابا غير أخلاق (٩)

وأرسلوا فتية من خيرهم حسبا ... ليسندوا فى ضريح التّرب أطباقى (١٠)


(١) العوار: الرمد، ذرفت: قطرت قطرا متتابعا.
(٢) مدرار: كثير.
(٣) الأستار: الأحجار، وكنت بجديد الأرض عن أنه مات حديثا.
(٤) خناس: الخنساء، مقتار: ضعيفة.
(٥) الإصغار: خفض الصوت بالحنين، والإكبار: رفعه.
(٦) العلم: الجبل.
(٧) المفضليات: ص ٣٠٠.
(٨) بنات الدهر: أحداثه، حمام الموت: دنوه.
(٩) الترجيل: تسريح الشعر، الأخلاق: الممزقة.
(١٠) الأطباق: المفاصل.

<<  <  ج: ص:  >  >>