«ليس عن الصديق المخلص والأخ المشارك فى الأحوال كلها مذهب، ولا وراءه للواثق به مطلب، والشاعر يقول:
وإذا يصيبك والحوادث جمّة ... حدث حداك إلى أخيك الأوثق
وأنت الأخ الأوثق، والولىّ المشفق، والصديق الوصول، والمشارك فى المكروه والمحبوب، قد عرّفنى الله من صدق صفائك وكرم وفائك، على الأحوال المتصرّفة، والأزمنة المتقلبة، ما يستغرق الشكر، ويستعبد الحر، وما من يوم يأتى علىّ إلا ونقتى بك تزداد استحكاما، واعتمادى عليك يزداد تأكدا والتئاما. . .
وأعيذك بالله من العيون الطامحة، والألسنة القادحة، وأسأله أن يجعلك فى حرزه الذى لا يرام، وكنفه الذى لا يضام، وأن يحرسك بعينه التى لا تنام، إنه ذو المنّ والإنعام».
واستخدامه للسجع واضح، وليس سجعا متكلفا، مما يدل على أنه حذق صناعته، حتى أصبح السجع ينحدر عن لسانه انحدارا سهلا طبيعيّا، لاعوج فيه ولا التواء، ولا تكلف ولا عثرات هنا أو هناك، بل أسلوب مستو متناسق. ومن الشعراء الكتاب الذين نبغوا فى كتابة النثر والشعر أحمد بن أبى طاهر طيفور، ومرّت بنا ترجمة له بين الشعراء، ويحتفظ كتابه:«اختيار المنظوم والمنثور» بطائفة من رسائله، منها رسالة فى شكر على بن يحيى المنجم على برّ واسع أغدقه عليه، تمضى على هذا النحو (١):
«إن أحقّ معروف بأن يشكر، ويد بارّة بأن لا تكفر، وأحق واجب بأن يؤدّى، وإحسان وبرّ بأن يجازى معروفك-أعزّك الله-عندى، ويدك قبلى، وحقك علىّ، وإحسانك إلىّ، لأن المعروف يحسن عند الأحرار موقعه، ويجب عليهم شكره ونشره والإشادة بذكره. تتطوّع مبتدئا، وتشفع ما تقدّم معقبا، وتحسن ربّ ما أسديته متفضلا، لا أخلاك الله من برّ وإحسان، ولا أخلانا منك فى حال».
والرسالة فيها سجع قليل، ولكن له رسائل أخرى يكثر فيها السجع، وكان