للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثير الهجاء للكتّاب، ويبدو أنه قلما كان أحد يسلم من لسانه، وممن هجاهم وأقذع فى هجائهم ابن ثوابة وابن مكرم، ومن قوله فى رسالة كتب بها إلى أبى على البصير يذم له الأخير ويعدد مثالبه (١):

«المقلىّ المذمّم، المهين ابن مكرّم. . . العاكف على ذنبه، الصادف عن ربه، الوضيع فى خلائقه، العاتى على خالقه. . . عدوّه آمن من غائلته، وصديقه خائف من بائقته. . . من استخفّ به أكرمه. ومن وصله صرمه (قطعه). . . يحلف ليحنث، ويعهد لينكث، إسناده عن المذمومين، وبلاغته فى ذم الصالحين، وطرفه قذف المحصنات، وسعيه فى كسب السيئات».

ولابن المعتز رسائل إخوانية كثيرة فى التهانى والتعازى والاعتذار والشوق والفراق وفى السؤال عن بعض المرضى والدعاء لهم بالشفاء، وبكل ذلك احتفظ كتاب الأوراق للصولى فى ترجمته، كما احتفظ بكثير منه كتاب زهر الآداب، ويقلّ السجع فى رسائله الإخوانية، ولكنه يعنى أشد العناية بصياغة كلامه، على نحو ما نرى فى الرسالة التالية، وهى فى تهنئة صديقه عبيد الله بن وهب وزير المعتمد فى يوم عيد (٢):

«أخرتنى العلة عن الوزير-أعزّه الله-فحضرت بالدعاء فى كتابى لينوب عنى، ويعمر ما أخلته العوائق منى، وأنا أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العيد أعظم الأعياد السالفة بركة على الوزير، ودون الأعياد المستقبلة فيما يحبّ ويحبّ له، ويقبل ما توسّل به إلى مرضاته، ويضاعف الإحسان إليه على الإحسان منه، ويمتعه بصحبة النعمة ولباس العافية، ولا يريه فى مسرّة نقصا، ولا يقطع عنه مزيدا، ويجعلنى من كل سوء فداءه، ويصرف عيون الغير (حوادث الدهر) عنه وعن حظّى منه».

والرسالة أدعية للوزير الصديق، وهو يعنى فيها أشد العناية بجزالة العبارة ونصاعتها، ولكن دون أن يلجأ إلى سجع. ويحتفظ له كتاب الأوراق بفصول كثيرة من بعض رسائله، فمن ذلك فصل فى الشوق يقول فيه: «إنى لآسف على كل يوم فارغ منك، وكلّ لحظة لا تؤنسها رؤيتك، وسقيا لدهر كان موسوما


(١) جمهرة رسائل العرب ٤/ ٣٥٠.
(٢) زهر الآداب ١/ ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>