للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكانوا أحيانا حين يذكرون الموت يتأسون ويتعزون عنه بأنه حوض لا بد من وروده وقد سبقتهم إليه الأجيال الماضية من ملوك وغير ملوك (١):

وعلى هذا النحو ألمّ الشاعر الجاهلى بجوانب الرثاء الثلاثة من الندب والتأبين والعزاء، وكان رثاؤه غالبا يتعلق بأفراد وقلما تعلق بمجموعة من الفرسان، ومن هذا القليل قصيدة أصمعية لأبى دؤاد الإيادى يرثى فيها من أودى من شباب قبيلته وكهولهم، ونراه يقول فى مطلع رثائهم (٢):

لا أعدّ الإقتار عدما ولكن ... فقد من قد رزئته الإعدام

ويستمر يبكى فيهم الرءوس العظام وخلالهم من التأنى والرفق والكرم وطيب الأرومة وشجاعة الأسد وما يخلط فرط حدّتهم من أحلام وعقول راجحة، ويقول إنهم أصبحوا هاما وصدى، إذ كانوا يعتقدون أن عظام الميت تتحول هامة تطير وصدى ما يزال يقول اسقونى:

سلّط الدهر والمنون عليهم ... فلهم فى صدى المقابر هام

فعلى إثرهم تساقط نفسى ... حسرات وذكرهم لى سقام

وبجانب هذا الرثاء كان عندهم مديح واسع يتمدحون فيه بمناقب قبائلهم وسادتها. وكانوا كثيرا ما يمدحون القبيلة التى يجدون فيها كرم الجوار متحدثين عن عزتها وإبائها وشجاعة أبنائها وما فيهم من فتك بأعدائهم وإكرام لضيوفهم ورعاية لحقوق جيرانهم (٣).

وكان بعض السادة تمتد مآثرهم إلى من حولهم من القبائل فكان يتصدّى لهم شعراؤها يمدحونهم لمكرماتهم التى أدّوها، كأن يفتكّوا أسيرا، على نحو ما صنع خالد بن أنمار بابن أخت المثقب العبدى، فكان جزاؤه منه مدحة جيدة، يقول فيها (٤)»:


(١) المفضليات ص ٢١٧.
(٢) الأصمعيات ص ٢١٥.
(٣) المفضليات ص ٣٠٥، ٣٧١.
(٤) المفضليات ص ٢٩٤، مترع: ملآن. ربعى الندى: نسب نداء إلى الربيع كناية عن كثرته وإمراعه، والندى: الكرم. ويقول إن مجلسه غير لطم فهو لا يتلاطم فيه، إنما هو مجلس سكون وحلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>