للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

العورات أحيانا، ويعلن ذلك فى صراحة صريحة دون أى مواربة إذ يقول:

«وبعض الناس إذا انتهى إلى ذكر (العورات) ارتدع وأظهر التقزز واستعمل باب التورع، وأكثر من تجده كذلك فإنما هو رجل ليس معه من العفاف والكرم والنبل والوقار إلا بقدر هذا الشكل من التصنع، ولم يكشف قط صاحب رياء ونفاق إلا عن لؤم مستفحل ونذالة متمكنة. (١)»

وبجانب ذلك لا يزال الجاحظ يحاول إطرافك بالنوادر المضحكة، وكان القدماء يلاحظون ذلك بوضوح، حتى ليقول المسعودى: «كتب الجاحظ مع انحرافه المشهور (يريد خصومته للشيعة، وكان المسعودى متشيعا) تجلو صدأ الأذهان وتكشف واضح البرهان، لأنه نظمها أحسن نظم، ورصفها أحسن رصف، وكساها من كلامه أجزل لفظ، وكان إذا تخوف ملل القارئ وسآمة السامع خرج من جدّ إلى هزل، ومن حكمة بليغة إلى نادرة ظريفة» (٢) ويصوّر ذلك الجاحظ نفسه فيقول: «وليس ينبغى لكتب الآداب والرياضات أن يحمل أصحابها على الجد الصّرف وعلى العقل المحض وعلى الحق المرّ وعلى المعانى الصعبة التى تستكدّ النفوس وتستفرغ المجهود، وللصبر غاية وللاحتمال نهاية، ولا بأس أن يكون الكتاب موشّحا ببعض الهزل» (٣). وخصّ الهزل والنوادر بكتابه المشهور «البخلاء» وهو مجموعة كبيرة من الأقاصيص الفكهة عن الأشحاء البخلاء فى عصره. وبنى رسالة له فى هجاء أحد الكتاب المسمى بأحمد بن عبد الوهاب، وهى رسالة التربيع والتدوير، على الضحك به والتندر عليه إذ كان قصيرا مليئا، فجعل يصفه فى رسالته وصفا مضحكا، ثم حوّله إلى دراسة واسعة فى الجمال، وهل يكون فى القصر أو يكون فى الطول أو يكون فى النحافة أو يكون فى الامتلاء أو يكون فى التربيع والتدوير، وهى تمتد إلى عشرات الصفحات وتمتلئ بالدعابة تارة وبالسخرية تارة أخرى، وفيها يقول مدافعا عن المزاح: «ولو استعمل الناس الرصانة فى كل حال والجد فى كل مقال. . . لكان السفه الصّراح خيرا لهم، والباطل محضا أردّ عليهم. . . ولكن لكل شئ قدر ولكل حال شكل، فالضحك فى موضعه كالبكاء فى موضعه» (٤).


(١) الحيوان ٣/ ٤٥.
(٢) مروج الذهب ٤/ ١٠٩.
(٣) رسالة فى النساء مجموعة رسائل الجاحظ نشر السند وبى ص ٢٦٦.
(٤) رسالة التربيع والتدوير (طبعة شارل بلات بدمشق) ص ٥٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>