كالبغل فى الدوابّ وكالراعبىّ فى الحمام، وأنها لا سبع ولا بهيمة، ولا إنسية ولا جنّية، وأنها من الجنّ دون الجنّ، وأنها مطايا الجنّ ونوع من المسخ وأنها تنبش القبور وتأكل الموتى، وأنها يعتريها الكلب من أكل لحوم الناس.
فإذا حكينا ذلك حكينا قول من عدّد محاسنها، وصنّف مناقبها، وأخذنا فى ذكر أسمائها وأنسابها وأعراقها، وتفدية الرجال إيّاها، واستهتارهم بها، وذكر كسبها وحراستها، ووفائها وإلفها وجميع منافعها، والمرافق التى فيها، وما أودعت من المعرفة الصحيحة، والفطن العجيبة، والحسّ اللطيف، والأدب؟ ؟ ؟ .
وذلك سوى صدق الاسترواح وجودة الشم، وذكر حفظها ونفاذها واهتدائها، وإثباتها لصور أربابها وجيرانها وصبرها، ومعرفتها بحقوق الكرام، وإهانتها اللئام، وذكر صبرها على الجفاء، واحتمالها للجوع، وذكر ذمامها وشدة منعها معاقد الذّمار منها، وذكر يقظتها وقلة غفلتها، وبعد أصواتها، وكثرة نسلها وسرعة قبولها. . . مع اختلاف طبائع ذكورها. . . وتردّدها فى أصناف السباع، وسلامتها من أعراق البهائم، وذكر لقنها وحكايتها، وجودة ثقافتها ومهنها وخدمتها، وجدّها ولعبها فى جميع أمورها، بالأشعار المشهورة والأحاديث المأثورة، وبالكتب المنزلة، والأمثال السائرة، وعن تجربة الناس لها وفراستهم فيها، وما عاينوا منها، وكيف قال أصحاب الفأل فيها وأخبار المتطيرين عنها، وعن أسنانها ومنتهى أعمارها، وعدد جرائها، ومدة حملها وعن سماتها وشياتها، وعن دوائها وأدوائها وسياستها، وعن اللاتى لا تلقن منها، وعن أعراقها والخارجىّ منها، وعن أصول مواليدها ومخارج بلدانها».
وعلى هذا النحو يستقصى الجاحظ جميع الوجوه التى تذمّ بها الكلاب، فيذكرها على لسان معبد وينقضها على لسان النظام، ثم يأتى بمحاسنها ومحاولات معبد فى نقضها، وفى أثناء ذلك يستعين بالأشعار وبآى القرآن والحديث ومعارف العرب، كما يستعين بمعارف غيرهم وبنوادرهم ونوادر اليونان. مع الرجوع دائما إلى التجربة. وهو فى تضاعيف ذلك يستطرد إلى كثير من المباحث الكلامية وإلى