مذموم، والناس ينامون بالليل الذى جعله الله تعالى سكنا، وينتشرون بالنهار الذى جعله الله تعالى لحاجات الناس مسرحا. قال صاحب الكلب: لو شئنا أن نقول إن سهره بالليل ونومه بالنهار خصلة ملوكية لقلنا. ولو كان خلاف ذلك ألذّ لكانت الملوك بذلك أولى. وأما الذى أشرتم إليه من النوم فى الطرق الخالية، وعبتموه به من نومه على شارعات الطرق والسكك العامرة، وفى الأسواق الجامعة فكل امرئ أعلم بشأنه، ولولا أن الكلب يعلم ما يلقى من الأحداث والسفهاء وصبيان الكتّاب من رضّ عظامه بألواحهم إذا وجدوه نائما فى طريق خال ليس بحضرته رجال يهابون، ولا مشيخة يرحمون ويزجرون السفهاء. وأن ذلك لا يعتريه فى مجامع الأسواق لقلّ خلافه عليك ولما رقد فى الأسواق. وعلى أن هذا الخلق إنما سيعترى كلاب الحرّاس، وهى التى فى الأسواق مأواها ومنازلها، وبعد فمن أخطأ وأظلم ممن يكلف السباع أخلاق الناس وعادات البهائم؟ وقد علمنا أن سباع الأرض عن آخرها إنما تهيج وتسرح وتلتمس المعيشة ليلا، لأنها تبصر بالليل. . . أما تركه الاعتراض على اللصّ الذى أطعمه أياما، وأحسن إليه مرارا، فإنما وجب عليه حفظ أهله لإحسانهم إليه وتعاهدهم له. فإذا كان عهده ببرّ اللصّ أحدث من عهده ببرّ أهله لم يكلّف الكلب النظر فى العواقب وموازنة الأمور. والذى أضمر اللص من البيات غيب قد ستر عنه، وهو لا يدرى أجاء ليأخذ أم جاء ليعطى. . . ولعل أهله أيضا أن يكون قد استحقوا ذلك منه بالضّرب والإجاعة، وبالسبّ والإهانة. وأما سماجة الصوت فالبغل أسمج صوتا منه، وكذلك الطاووس على أنهم يتشاءمون به. وليس الصوت الحسن إلا لأصناف الحمام من القمارىّ والدّباسىّ وأصناف الشفانين (ضرب من العصافير) فأما الأسد والذئب وابن آوى والخنزير وجميع الطير والسباع والبهائم، فكذلك، وإنما لك أن تذم الكلب فى الشئ الذى لا يعمّ. . . وربما كان من الناس-بل كثيرا ما تجده-من صوته أقبح من صوت الكلب، فلم تخصّون الكلب بشئ عامة الخلق فيه أسوأ حالا من الكلب. وأما عواؤه من وطء الدابة وسوء جزعه من ضرب الصبيان فجزع الفرس من وقع عذبة (طرف) السوط أسوأ من جزعه».