للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مع انقطاع سببى» توازن «حياة ذكرى مع اتصال سببى». وتكامل مثل هذا التوازن فى أسلوبه يتيح له وفرة فى النغم، مع ما يتّسم به أسلوبه عامة من رصانة وجزالة ونصاعة.

ولون ثالث من كتاباته هو الرسائل الأدبية، وهى تعدّ بالعشرات، ويكفى أن نرجع لعنوانات المطبوع منها لنرى مدى تنوعها وأنها تناولت جوانب كثيرة من المجتمع ومن المسائل الكلامية ومن الأخلاق ومن الطوائف كالترك والمعلمين والقيان والمغنين غير ماله من رسائل فى حجج النبوة واستحقاق الامامة وخلق القرآن. وكثير منها مكتوب بأسلوب الجدل والمناظرة، إن لم نقل إنها جميعها كتبت بهذا الأسلوب ونكتفى بعرض رسالة منها ولتكن رسالته (١) فى فخر السودان على البيضان، وقد عرض فيها مناقب السودان ممثلة فى شخصيات بارزة مثل لقمان الحكيم وسعيد بن جبير العبد الصالح الذى قتله الحجاج وبلال الحبشى والمقداد الصحابى الجليل أول من عدا به فرسه فى الإسلام، ومثل مكحول الفقيه والحيقطان الشاعر الذى يفتخر بقومه، ويذكر قصيدة له تحتج بها العجم والحبش على العرب، ويشرح أبياتها، ومثل سنيح بن رباح المعاصر لجرير ويروى قصيدته فى الفخر بالزنج، ويذكر أبناء الزنجيات من العرب مثل العباس بن مرداس وعنترة الفوارس. ويذكر من احتجاجهم أنهم ملكوا ذات يوم بلاد العرب من لدن الحبشة إلى مكة وقتلوا ذا نواس وأقيال (تبابعة) حمير، ويذكر مشاركتهم فى بعض الأحداث والحركات السياسية فى العصرين الأموى والعباسى، ثم يقول:

«الناس مجمعون على أنه ليس فى الأرض أمة السخاء فيها أعم وعليها أغلب من الزنج. . . وهم أطبع الخلق على الرقص الموزون من غير تأديب ولا تعليم. وليس فى الأرض أحسن حلوقا منهم، وليس فى الأرض أخف على اللسان من لغتهم، ولا فى الأرض قوم أذرب (أفصح) ألسنة، ولا أقل تمطيطا منهم. . . والرجل منهم يخطب عند الملك بالزنج من لدن طلوع الشمس إلى غروبها، فلا يستعين بلفتة ولا بسكتة حتى يفرغ من كلامه. وليس فى الأرض أمة فى شدة الأبدان وقوة الأسر أعم منهم فيهما، وإن الرجل ليرفع الحجر الثقيل الذى تعجز عنه


(١) انظر الرسالة فى مجموعة رسائل الجاحظ. (نشر مكتبة الخانجى) ١/ ١٧٧ - ٢٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>