الجماعة من الأعراب وغيرهم، وهم شجعان أشداء الأبدان أسخياء. وهذه هى خصال الشرف. والزنجى مع حسن الخلق وقلة الأذى لا تراه أبدا إلا طيب النفس ضحوك السنّ حسن الظنّ، وهذا هو الشرف».
ويرد على أناس قالوا إنهم صاروا أسخياء لضعف عقولهم، ويقول لو كان البخل بمقدار قوة العقل، لكان الصقالبة أعقل من الروم لأنهم أبخل منهم والروم أشد عقولا. ويقول لخصومهم إنكم أقررتم لهم بالسخاء وادعيتم عليهم ما لا يعرف من ضعف العقل، ولو كان هذا القياس صحيحا لكان الجبان أعقل من الشجاع.
ويذكر فخر الزنج بملوكهم. ثم يعود إلى ذكر طائفة من شعرائهم وافتخارهم بالنجاشى الذى أكرم المهاجرين إليه من الصحابة، ثم يقول بلسانهم:
«ونحن أهول فى الصدور وأملأ للعيون. . . كما أن الليل أهول من النهار. . .
ودهم الخيل أبهى وأقوى، والبقر السود أحسن وأبهى، وجلودها أثمن وأنفع وأبقى، والحمر (ج حمار) السود أثمن وأحسن وأقوى، وسود الشّاء أدسم ألبانا وأكثر زبدا. . . وكل جبل وكل حجر إذا كان أسود كان أصلب صلابة، وأشد يبوسة، والأسد الأسود لا يقوم له شئ، وليس من التمر شئ أحلى حلاوة من الأسود ولا أعم منفعة ولا أبقى على الدهر، والنخيل أقوى ما تكون إذا كانت سود الجذوع. . . وأحسن الخضرة ما ضارع السواد، قال الله عز وجل: {(وَمِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ)} ثم قال لما وصفهما وشوّق إليهما: {(مُدْهامَّتانِ)} قال ابن عباس: خضراوان من الرىّ سوداوان، وليس فى الأرض عود أحسن خشبا ولا أغلى ثمنا ولا أثقل وزنا. . .
ولا أجدر أن ينشب فيه الخطّ من الآبنوس. . . والإنسان أحسن ما يكون فى العين ما دام أسود الشعر، وكذلك شعورهم فى الجنة، وأكرم ما فى الإنسان حدقتاه وهما سوداوان، وأكرم الكحل الإثمد، وهو أسود. . . وأنفع ما فى الإنسان له كبده».
ونحس كأن الكلام سيول تتدافع، وهى سيول تحيط بفكرة السواد وترفع منها محصية إحصاء دقيقا مواقعه فى الطبيعة وفى الحيوان وفى الجماد وفى الثمار والأشجار وفى الزروع والأعواد والأخشاب وفى الإنسان وفى الجنة ونعيمها الخالد. وكل ذلك