والكتاب السادس كتاب الزهد، وفيه تبرز بجانب مواعظ كبار النسّاك والوعّاظ والزهاد المسلمين ثقافة ابن قتيبة الدينية لا الإسلامية وحدها، بل أيضا ثقافته بالكتب السماوية وكيف أنه عكف عليها وعلى كل ما يتصل بها يقرأ وينقل، تارة مما كتبه أمثال وهب بن منبه عما أوحى الله عزّ وجلّ إلى أنبيائه. وينقل من التوراة ومن الإنجيل، من ذلك قوله:«قرأت فى الإنجيل: لا تجعلوا كنوزكم فى الأرض حيث يفسدها السوس والدود وحيث ينقب السرّاق ولكن اجعلوا كنوزكم فى السماء، فإنه حيث تكون كنوزكم تكون قلوبكم» ويذكر أن رجلا من الحواريين قال للمسيح: أتأذن لى أن أدفن أبى؟ فقال له: دع الموتى يدفنون موتاهم. ويذكر له دعاء طويلا حين أخذه اليهود ليصلبوه بزعمهم فرفعه الله إليه، كما يذكر دعاء لداود وتحميدا طويلا ودعاء ليوسف، ويروى عن المسيح أنه قال: حبّ الدنيا أصل كلّ حطيئة، والمال فيها داء؛ قيل: ما داؤه؟ قال: لا يسلم صاحبه من الفخر والكبر، قيل وإن سلم؟ قال: يشغله إصلاحه عن ذكر الله. وبذلك يكون ابن قتيبة قد أضاف إلى الثقافة الإسلامية ثقافة عامة بالكتب السماوية وأقوال أنبيائها المرسلين. والصلة بين هذا الكتاب وكتاب الزهد فى البيان والتبيين للجاحظ واضحة.
والكتاب السابع كتاب الإخوان، وفيه يتحدث عن اختيارهم وما ينبغى أن يكون بينهم من الوشائج والصلات والاشتراك فى السّرّاء والضّرّاء.، وتلقانا من حين إلى حين نقول عن بعض كتب الهند أو بعض ملوك العجم، كما تلقانا أحاديث نبوية وأشعار وأخبار ونصائح ووصايا على ألسنة كثيرين من رجال العرب النابهين.
والكتاب الثامن كتاب الحوائج واستنجاحها والمواعيد وتنجّزها، ويظل فيه ينقل عن كتب العجم مثل قول بزرجمهر:«إذا أقبلت عليك الدنيا فأنفق، فإنها لا تفنى، وإذا أدبرت عنك فأنفق فإنها لا تبقى». والكتاب التاسع كتاب الطعام وفيه يعرض صنوفه وأخبار العرب فى مآكلهم وآداب الطعام والضيافة وأخبار البخلاء وأوانى الأكل والحمية وشرب الدواء والتّخمة والمياه والأشربة ومنافع بعض النباتات والبقول. وتلقانا لفس الثقافات العربية والفارسية واليونانية، ويصرّح بأنه ينقل فى هذا الكتاب عن الجاحظ وأثر كتابه البخلاء واضح فيه، ويذكر فى الحمية عن الطبيب اليونانى جالينوس أنه قيل له: إنك تقلّ من الطعام؟ قال: غرضى من