الطعام أن آكل لأحيا وغرض غيرى من الطعام أن يحيا ليأكل. وبالمثل ينقل عن أبقراط اليونانى نقولا، كما ينقل عن أطباء العصر العباسى مثل ابن ماسويه وعن كتاب الآيين الأعجمى. والكتاب العاشر كتاب النساء، وفيه يتكلم عن أخلاقهن وما يقبل منهن وما يكره والجمال والقبح والمهور والزواج وسياسة معاشرتهن والجوارى والقيان ومساوئ النساء، ويحكى هنا قصة حصار أردشير لمدينة الحضر الأسطورية التى يقال إنها كانت قائمة فى الزمن القديم بين دجلة والفرات، وكيف أن فتاة ملك الحضر رأته فعشقته، وسرعان ما أرسلت إليه أن تدله على موضع يفتتح منه المدينة إن هو وعدها الاقتران بها، ووعدها، فدلته على الموضع، ودخل المدينة هو وجنوده.
ولعل فيما قدمنا ما يصور بوضوح كيف مزج ابن قتيبة بين الثقافات العربية والإسلامية والفارسية والهندية واليونانية، وكذلك ثقافة أهل الكتاب، فكل الثقافات الأجنبية والعربية من مدنية ودينية استحالت عنده إلى هذه الصورة الجديدة التى نقرؤها فى عيون الأخبار. وبلغت هذه الصورة من النجاح أنه خفت صوت الشعوبية، فإن الكنوز التى كانت تباهى بها تحولت إلى عالم العروبة على يد ابن قتيبة وأصبحت من لبّه، بحيث لم يعد هناك مجال للفخر بها، إذ لم تعد مستقلة ولم تعد تشقّ لنفسها جداول تجرى فيها وحدها، فقد صبّت فى نهر العروبة الكبير وذابت فيه، أذابها ابن قتيبة ببصيرته النافذة وقلمه الباهر، وأكبر الدلالة على ذلك لا تضاؤل صوت الشعوبية تضاؤلا شديدا مع السنين فقط، بل أيضا أنا لا نعود نسمع عن ترجمات لكتابات الفرس الأدبية والتاريخية، فقد أصبحت غير ذات موضوع بعد أن تناولت الأيدى كتاب عيون الأخبار، وبعد أن أصبح المصدر الأساسى لكل من يريد التعرف على الآداب الفارسية وما يمكن أن يفيده الأدب العربى منها ومن الثقافتين الهندية واليونانية وثقافة أهل الكتب السماوية. فكل ذلك قد أصبح تحت أيدى العرب وأبصارهم، ولم يعودوا فى حاجة إلى مزيد منه، ولذلك لم يهتموا فيما بعد بما دوّن الفردوسى فى الشاهنامة من شعر قصصى ولا بما كتب حافظ الشيرازى وغيره من شعر صوفى. وكان من آثار ذلك أن أعداء العرب لم يعودوا يوصفون بوصف الشعوبية والزندقة معا، فقد أصبحوا غالبا يوصفون بالزندقة والإلحاد