ونشطت الحركة العلمية فى اليمن من قديم، بسبب توزعها بين إمارات كانت تتنافس فيما بينها علميا وأدبيا مما جعل كلا منها تحاول جذب العلماء إلى دائرتها ومحيطها، وكان كثير من الأمراء أنفسهم علماء، فالأمير على بن محمد الصليحى مؤسس الدولة الصّليحية الإسماعيلية كان عالما، ويقول عنه عمارة:«كان عالما وفقيها مستبصرا فى علم التأويل وخطيبا بليغا» وكانت زوجة ابنه الأمير المكرم المسماة الملكة الحرة أروى بنت أحمد الصليحية تتعمق علوم الدعوة الفاطمية، ووقفت أوقافا كثيرة لتدريس صحيح البخارى مع أنها كانت إسماعيلية العقيدة. وكان جياش من آل نجاح أمراء زبيد مؤرخا وصنف «المفيد فى أخبار زبيد» واختصره عمارة اليمنى ونشر مختصره، ومن وزراء هذه الدولة سرور الفاتكى، وكان يشجع العلماء وفرض لهم رواتب. ويقول عمارة اليمنى إنه رأى جريدة هذه الرواتب التى كانت تدفع إلى الفقهاء والقضاة وعلماء الحديث والنحو واللغة، فوجدها اثنى عشر ألف دينار فى كل سنة. وبالمثل عرف بنو زريع أمراء عدن بإكرام العلماء والشعراء وإسباغ العطايا والجوائز عليهم. وحين تسلم الرسوليون زمام الأمور أخذوا ينهضون بالحركة العلمية نهضة واسعة يتقدمهم فى ذلك مؤسس دولتهم نور الدين إذ بنى فى تعزّ عاصمته الصيفية مدرستين وفى عدن مدرسة وفى زبيد عاصمته الشتوية ثلاث مدارس: مدرسة للشافعية ومدرسة للحنفية ومدرسة للحديث النبوى، ورتب فى كل مدرسة مدرسا ومعيدا وطلابا وإماما ومقرئا ومؤذنا، ورصد لكل مدرسة أوقافا تقوم بكفايتها وتسدّ حاجتها.
وخلفه ابنه السلطان المظفر وهو صاحب جامع المظفرية فى تعزّ وجوامع أخرى فى أنحاء إمارته وبنى مدرسة بتعزّ، وأخرى بظفار وكانت تتبعه. وابتنى أحد رجاله المسمى بدرا المظفرى بزبيد مدرسة للشافعية ومدرسة للقراءة بالقراءات السبع ومدرسة للحديث النبوى ووقف عليها جميعا أوقافا وفيرة. وخلفه ابنه السلطان الأشرف، وكان عالما فى فنون مختلفة وله عدة مصنفات، منها كتاب طرفة الأصحاب فى معرفة الأنساب وكتاب تحفة الآداب فى التاريخ والأنساب وكتاب جواهر التيجان، وتعمق فى علوم الأوائل، وله كتاب فى الأسطرلاب وكتاب الجامع فى الطب، وولى بعده أخوه المؤيد، وكان عالما أديبا، ويقال إنه كان يحفظ مقدمة طاهر بن بشاذ النحوى المصرى وكتاب الجمل فى النحو للزجاجى وكفاية المتحفظ فى اللغة، ودرس كتاب التنبيه فى الفقه الشافعى لأبى إسحق الشيرازى وسمع الحديث النبوى من حفاظه الأعلام وأجازه منهم أبو العباس أحمد بن محمد الطبرى شيخ السنة بالحرم المكى وأذن له فى رواية البخارى والترمذى عنه وناوله صحيح مسلم، وجمع من الكتب ما لا يكاد يحصى، واختصر كتاب الجمهرة فى البيزرة وألف فى الطب كتاب