العمدة. واشتهر بعده حفيده السلطان الأشرف إسماعيل بتشجيعه الحركة العلمية، وحين علم فى سنة ٧٨٨ بتأليف القاضى جمال الدين محمد بن عبد الله الريمى كتابه «التفقيه فى شرح التنبيه» فى أربعة وعشرين جزءا أمر بحمل هذا الكتاب على رءوس الفقهاء من بيت المصنف إلى مجلسه، مزفوفا بالطبلخانة، وحين وصل الكتاب ومصنفه منحة مكافأة لجهده العلمى: ثمانية وأربعين ألف درهم تعظيما للعلم والعلماء، ورفعا لدرجة الشيخ. ويقول الخزرجى إنه طرّز كتبه التاريخية باسمه وإنه ألفها بناء على إشارته، ويذكر عنه أنه رتّب فى سنة ٧٩١ بجامع المملاح ستة مدرسين ومقرئا للقراءات السبع ومحدّثا ومدرّسين: شافعيا وحنفيا ومدرسين: فى النحو والفرائض، ورتب فيه إماما ومؤذنين وقيّمين وخطيبا ومعلما وأيتاما يحفظون القرآن وشيخا صوفيّا. وكان الخزرجى نفسه أحد المرتّبين لإقراء القرآن.
وأمر السلطان الأشرف بعدّ المساجد والمدارس فى سنة ٧٩٥ بزبيد فكانت مائتين وبضعا وثلاثين. ومعروف أن المساجد فى العالم الإسلامى كانت مدارس تعقد فيها دائما حلقات للطلاب والعلماء. ولعل فى هذا ما يدل على مدى النهضة العلمية باليمن فى عهد الرسوليين، وبلغ من عنايتهم بذلك أن اشترك معهم نساؤهم فى بناء المدارس والجوامع والمساجد.
وقصد اليمن حينئذ كثير من العلماء، ومن أهمهم الفيروزابادى صاحب كتاب القاموس المحيط، ألفه فى زبيد، ونوّه فى مقدمته بالسلطان الأشرف، وقد أنزله منزلة رفيعة، ويقال إنه لما ألّف كتابه الإسعاد بالإصعاد إلى درجة الاجتهاد سنة ٨٠٠ للهجرة أمر السلطان الأشرف أن يحمل الكتاب إلى بابه مزفوفا بالطبول فى موكب كبير حضره سائر الفقهاء والقضاة والطلبة، وأمر للفيروزابادى توا بثلاثة آلاف دينار، إذ كان الكتاب فى ثلاثة أجزاء، فجعل لكل جزء ألفا. ومن مآثر هذا السلطان بناء مدرسة كبيرة فى تعزّ. وفى الحق أن دولة الرسوليين عملت بكل ما استطاعت على إحداث نهضة علمية خصبة فى اليمن، ويقال إن بين سلاطينها من بلغت مكتبته مائتى ألف مجلد، وكانوا يمنحون مكافآت كبيرة لمن يهديهم كتبا نفيسة أو نادرة. وأهتم بنو طاهر الذين خلفوهم بهذه النهضة ولكن لم يبلغوا مبلغهم فى العناية ببناء المدارس وبالعلم والعلماء.
ومنذ اتخذ الرّسّيّون صعدة مركزا لدعوتهم فى أواخر القرن الثالث الهجرى، وهم يبعثون فيها حركة علمية كانوا هم قادتها، فكثيرون منهم ألفوا فى الفقه الزيدى وفى علم الكلام وفى غير ذلك من مواد الثقافة العربية يتقدمهم الإمام الهادى إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم مؤسس الدعوة الزيدية فى اليمن. وللإمام المهدى المتوفى سنة ٤٠٣ مؤلفات مختلفة وكذلك لأبى الفتح الديلمى المتوفى سنة ٤٤٤ وللإمام المنصور بالله المتوفى