للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يؤلف فى اللغة معجما كبيرا سماه العباب الزاخر، غير أن المنية عاجلته قبل إتمامه. ولا شك فى أن هذا الإنتاج الغزير يصوّر عالما لغويا كبيرا، وهو لم ينشأ فى الجزيرة ولا فى بلد عربى، وإنما نشأ فى الهند، ومع ذلك استطاع أن يصبح من الأفذاذ فى العربية على مر العصور، وهو شاهد على ما نقوله من أن العلم العربى كان ملقى بكل مكان فى العالم العربى والعالم الإسلامى الكبير. وممن نزل بمكة من كبار شيوخ العربية ابن عبد (١) المعطى أحمد بن محمد الملقب بنحوىّ الحجاز المتوفى بها سنة ٧٨٨ وهو مغربى مصرى تتلمذ فى العربية على أبى حيان الغرناطى عالمها المشهور، قرأ عليه كتاب التسهيل لابن مالك النحوى المعروف، ثم جاور بمكة إلى أن توفى بها وانتصب فيها للتدريس والاشتغال بالعربية والعروض. ومن النحاة بعده محمد (٢) بن أبى بكر المرجانى المكى المتوفى سنة ٨٢٧. ومن يرجع إلى كتاب سلافة العصر يجد ابن معصوم يلقب غير شاعر بأنه من أئمة العربية. ولا ريب فى أن دراستها ظلت نشطة فى العصر العثمانى وحتى نهايته، فكان هناك معلمون مختلفون للعربية فى مكة والمدينة وقرى الحجاز المختلفة.

وتنشط اليمن طوال هذا العصر فى الدراسات اللغوية والنحوية، وهو يفتتح فى سنة ٣٣٤ للهجرة بوفاة عالم لغوى يمنى مهم، هو الهمدانى (٣) المذكور فيما مرّ، وفيه يقول القفطى فى إنباه الرواة «هو أحد عيون العلماء باللغة العربية وأشعار العرب وأيامها».

وسبق أن نوهنا بكتابه الإكليل وهو فى سير الملوك الحميريين وأخبار اليمنيين الأولين، طبع منه الأجزاء: الأول والثانى والثامن، وكذلك الجزء العاشر وهو فى أنساب همدان قبيلته وأخبارها وبه أشعار كثيرة. وله كتاب يسمى «اليعسوب فى فقه الصيد وحلاله وحرامه وكيفيته وما جاء فيه من أشعار» يقول القفطى عنه: إنه جيد جدا ومفيد للمتأدبين، ومرّ بنا ذكر كتابه صفة جزيرة العرب، وهو يحمل مقدارا كبيرا من اللغة والشعر. وله القصيدة الدامغة افتخر فيها باليمن على مضر، طبعت مشروحة بالقاهرة. وكان يكاتب ابن الأنبارى وغيره من لغويى بغداد ويعترفون بفضله، ومن أجله رحل العالم النحوى المعروف ابن خالويه إلى اليمن وعنى بجمع ديوانه وتخريجه، إذ كان شاعرا مجيدا. وتمضى اليمن فى نشاطها اللغوى والنحوى طوال أزمنة الدول التى مرت بنا فى زبيد وصنعاء وعدن وصعدة إذ كان أمراؤها يتنافسون فى جمع العلماء بإماراتهم ومن حولهم: علماء العربية وغيرهم، ويلقانا


(١) انظره فى العقد الثمين ٣/ ١٤٩ والدرر الكامنة لابن حجر ١/ ٢٧٧.
(٢) العقد الثمين ١/ ٤٢٩.
(٣) إنباه الرواة ١/ ٢٧٩ وأخبار الحكماء ص ١٦٣ ومعجم الأدباء ٧/ ٢٣٠ وروضات الجنات ٢٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>