القضاة باليمن، وظل يليها أكثر من عشرين سنة فى عهده وعهد ابنه السلطان الناصر إلى أن أدركته الوفاة. وكانت أكثر إقامته بزبيد، وأقام مدة بتعزّ، لما كان فوّض إليه من التدريس بمدارس البلدتين. وله مصنفات كثيرة فى الحديث وفى الفقه، ومرت بنا المنحة التى أهداها إليه السلطان الأشرف حين ألف فى الفقه كتابه الإسعاد، وله فى النحو كتاب سماه «مقصود ذوى الألباب فى علم الإعراب». أما اللغة فكان فيها بحر لا يسبر غوره، ومن مصنفاته فيها مصنف فى الترادف سماه:«الروض المسلوف فيما له اسمان إلى ألوف».
وله كتاب فى غريب الذكر الحكيم سماه «بصائر ذوى التمييز فى لطائف الكتاب العزيز» وقد طبعه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية فى عدة مجلدات. ومن أروع أعماله معجمه النفيس «القاموس المحيط» الذى ألفه فى زبيد، ولا نغلو إذا قلنا إنه أروع المعاجم القديمة لجمعه بين الدقة والاختصار إذ هو فى أربعة مجلدات فقط، ولكن كلما قرأت مادة منه خيل إليك أنه حولها إلى ما يشبه بحثا قصيرا، وقد اتبع فى ترتيب مواده طريقة الصحاح للجوهرى فرتب المواد حسب الحرف الأخير لا حسب الحرف الأول كما صنع الزمخشرى فى أساس البلاغة، لأن الحرف الأخير فى المادة لا يتغير بخلاف الحرف الأول إذ تدخله زيادات مختلفة. وحاول بعض القدماء نقده ببيان ما فاته من بعض المواد أو ما سبق خطأ إلى وهمه، وكان آخر من نهض بذلك أحمد فارس الشدياق فى كتابه الجاسوس على القاموس، ومع ذلك فالمعجم بحق مفخرة للفيروزابادى، وقد ضمنه أسماء كثير من المواضع وأعلام الأشخاص وكثير من الكلمات الأعجمية المعربة، وهى جديرة بأن تجمع ويخرج فيها كتاب مستقل، ولنفاسة المعجم تعهده يمنى بصنع شرح مطول له هو السيد مرتضى (١) الزبيدى المتوفى سنة ١٢٠٥ هـ/١٧٩٠ م وقد اتخذ القاهرة مهاجرا له وموطنا منذ سنة ١١٦٧ هـ/ ١٧٥٣ م وفيها ألف هذا الشرح الذى سماه «تاج العروس فى شرح جواهر القاموس» وهو مطبوع فى عشرة مجلدات، ويتلافى نواقص القاموس فى المادة اللغوية مستعينا بلسان العرب لابن منظور وغيره من المعاجم المطولة، ويتوسع فى الحديث عن المواضع والأعلام بحيث يصبح دائرة معارف جغرافية تاريخية، مع ما يعرضه من بعض الأحكام الشرعية والفوائد العلمية.
وهذه النهضة بعلوم العربية فى اليمن كانت تتسع لتشمل إمامة الزيديين فى صعدة وفيما يتبعهم أحيانا من البلدان مثل صنعاء وزبيد حتى إذا دانت لهم اليمن بعد عهد الطاهريين