للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نشروا هذه النهضة فى كل مكان. وكان العثمانيون فى أثناء احتلالهم لليمن يعنون بالمدارس وبتعليم العربية، وكان الزيديون ينافسونهم فى هذا المضمار والزبيدى نفسه من ثمرات هذا العصر المتأخر فى اليمن وهو رمز قوى لما كانت تحظى به العربية حينئذ من نشاط خصب.

ولم يكن هذا النشاط قاصرا على اليمن والحجاز بل كان عاما فى حضرموت وعمان والبحرين وكانت العناية تبدأ أولا بتحفيظ القرآن الكريم وبعض الأشعار، ثم يأخذ المتعلمون قسطا من العلوم اللغوية ليستعينوا به على ما يريدون أن يتعلموه من الدراسات الدينية، وهل من شك فى أن كل ما نقرأ من شعر وأدب فى هذه البيئات المختلفة إنما هو ثمرة العناية بالعربية وعلومها اللغوية، ونتخذ لهذه العناية مثالا هو الشيخ عبد الله البيتوشى (١)، وأصله شهرزورى تثقف ببغداد واستوطن الأحساء حتى توفى سنة ١٢١١ هـ‍/١٧٩٦ م وله حاشية على شرح الفاكهى لقطر الندى تأليف ابن هشام، وصرف العناية بكشف الكفاية وهو مطبوع بالقاهرة، وله مؤلفات ومنظومات شعرية مختلفة فى اللغة والنحو والدين. وكان فى كل بلدة وقرية معلمون رصدوا أنفسهم لتعليم العربية حتى نجد وقراها المتوغلة فى الصحراء لم تكن تخلو من هؤلاء المعلمين. ويدل على ذلك ما نجده فى كتاب «لمع الشهاب فى سيرة محمد بن عبد الوهاب» من أنه تعلم العربية على شيخ لزم دروسه يسمّى عبد الرحمن بن أحمد من أهل بريدة إحدى القرى المتعمقة فى بوادى نجد.

وإنه ليكفى من نشاط الجزيرة العربية فى هذا العصر فيما يخصّ الدراسات اللغوية أنها أهدت إلى العربية معجم الجمهرة لابن دريد، ثم أهدت مجموعة المعاجم التى خلفها الصغانى والقاموس المحيط للفيروزابادى وتاج العروس للزبيدى فنشاطها اللغوى كان نشاطا جما مثمرا.

وإذا انتقلنا إلى مباحث البلاغة كان ينبغى أن لا يبرح أذهاننا أن كل ما كانت تنتجه بيئة عربية فى علم من العلوم يصبح حقا مشاعا لكل البيئات الأخرى، ولذلك كنا نفاجأ من حين إلى حين بكتاب فى بيئة يتصل مباشرة بمباحث البيئات المختلفة، ومما يصور ذلك من بعض الوجوه مقدمة فى شرح نهج البلاغة لعلى بن أبى طالب، تلك التى قدم بها كمال الدين ميثم (٢) بن على بن ميثم البحرانى المتوفى سنة ٦٧٩ هـ‍/١٢٨٠ من شرحه الأكبر المطبوع على الحجر بتبريز إذ له وراءه شرحان، وفيه تحدث عن البيان فى النهج ووزع


(١) انظر فيه كتاب البيتوشى لمحمد الخال قاضى السليمانية (طبع بغداد) وكتاب شعراء هجر لعبد الفتاح الحلو ص ١٧ وما بعدها.
(٢) راجع فى ميثم كتاب سليمان البحرانى عنه باسم السلافة البهية فى الترجمة الميثمية.

<<  <  ج: ص:  >  >>