للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

حديثه على ثلاث قواعد، جعل الأولى لدراسة الألفاظ والثانية لدراسة المعانى، والثالثة لدراسة الخطابة، والصلة بين مباحثه ومباحث السابقين له واضحة.

ولعل خير كتاب يصور النشاط البلاغى فى الجزيرة العربية لهذه العصور كتاب الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز للإمام الزيدى اليمنى يحيى (١) بن حمزة العلوى، المتوفى سنة ٧٠٥ وهو يقول فى مقدمته إنه لم يطلع من كتب البلاغة إلا على أربعة كتب هى، المثل السائر لابن الأثير والتبيان فى علم البيان لابن الزملكانى ونهاية الإيجاز فى دراية الإعجاز للفخر الرازى والمصباح فى البيان والبديع لبدر الدين بن مالك، ويشيد بعبد القاهر وكتابيه: دلائل الإعجاز وأسرار البلاغة وفيه يقول: «أول من أسس فى هذا العلم قواعده وأوضح براهينه وأظهر فوائده ورتب أفانينه الشيخ العالم النحرير، علم المحققين عبد القاهر الجرجانى» غير أنه يصرح بأنه لم يطلع على كتابيه المذكورين آنفا، إنما اطلع على شذرات منهما فى كتابات البلاغيين. وقد ذكر السكاكى مرارا، مما يدل على أنه اطلع على كتابه «المفتاح» ويقول إن الحافز الذى دفعه إلى تأليف كتابه أنه حين حاول أن يقرأ مع طلابه تفسير الزمخشرى المسمى بالكشاف وفيه مسائل بلاغية كثيرة طلبوا منه أن يؤلف لهم فى البلاغة كتابا، فاستجاب لهم، وأثر ابن الأثير والفخر الرازى والسكاكى بيّن فى الكتاب، وقد وزعه على مقدمات ومقاصد وتكملات، وسمى كل فرع من هذه الفروع فنا، وفن المقدمات عنده يتناول علم البيان والبلاغة والفصاحة والحقيقة والمجاز، وسلك فى الفصاحة والبلاغة علمى المعانى والبيان. ويتأثر بابن الأثير فيما كتبه عن معرفة الآلات الضرورية لإتقان البيان كاللغة والنحو والتصريف وحفظ القرآن. ونصوص الشعر والنثر، ويستوحى الفخر الرازى فيما كتبه عن أنواع الدلالات الوضعية والالتزامية، ويتحدث عن الحقيقة والمجاز ويذكر للحقيقة تعريفات مختلفة وينسب أحدها إلى ابن الأثير. ويطيل فى الحديث عن الحقيقة العرفية والشرعية، ويتضح هنا تأثره بعلم أصول الفقه. ويعرض المجاز وماهيته ويتحدث عن المجاز اللغوى أو المرسل وعلاقاته ويسمى المجاز العقلى باسم المجاز المركب وينقل عن الرازى بعض أحكام المجاز. وينتقل إلى الفصاحة ويقول إنها خلوص اللفظ من التعقيد ويطيل مستضيئا بابن الأثير فى بيان وجوه الحسن فى أفراد الحروف والكلمات. ويتحدث عن البلاغة مهتديا بابن الأثير مع الانتفاع بما ذكره الرازى من جمال الرصف لحروف منقوطة أو بعضها منقوط وبعضها غير منقوط ويذكر آراءه فى معنى


(١) انظره فى البدر الطالع للشوكانى ٢/ ٣٣١ وكتابه «الطراز» نشرته دار الكتب المصرية فى ثلاثة مجلدات سنة ١٩١٤ وراجع كتابنا: البلاغة: تطور وتاريخ (طبع دار المعارف) ص ٣٢٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>