عن علمين من أعلام الحديث هما الإسفرايينى والبغدادى، فلا يذكرون فقط أخذ كتاب الحديث عن محدث كبير بل يحاولون أن يذكروا عمن أخذه لصحة السند وللثقة بالرواية، وينصون كما رأينا الآن على قراءة التلميذ على شيخه للكتاب كلمة كلمة، وقد يقولون سمعه من شيخه، وكانوا عادة يسمعون الكتاب وفى أيديهم نسخ للمراجعة والمعارضة. وقد يجمعون الحسنيين من السماع على الشيخ للكتاب وقراءته أمامه مرة واحدة، فيقولون: سماعا وقراءة.
وقرأ محب الدين الطبرى صحيح البخارى على عبد الرحمن بن حرمى سبط السلفى الحافظ المشهور، وقرأه أيضا على عمين لأبيه وأخ له. وقرأ جامع الترمذى على يعقوب بن أبى بكر الطبرى وصحيح مسلم وصحيح ابن حبان على شرف الدين بن أبى الفضل المرسى، وقرأ الأربعين للحافظ الثقفى على أبى الحسن بن الجمّيزى وكذلك قرأ عليه الأربعين للسلفى، وقرأ الأربعين البلدانية على شعيب الزعفرانى، وقرأ بعض الجمع بين الصحيحين للحميدى عن ابن البطّى، وقرأ على ابن العديم وريحان السّكينى وشيخ الحرم نجم الدين التبريزى جزء الأنصارى. وكان يعنى بالفقه، وقرأ كتاب التنبيه المشهور فى الفقه الشافعى والذى ألفه أبو إسحق الشيرازى على ابن سكينة وتفقه عليه. وسمع بعض كتاب الغريب لأبى عبيدة عن شهدة، وهى إحدى المحدثات الكبيرات. وكأنما تعب من يعدون كتب الحديث والفقه والغريب التى أخذها عن العلماء، فيعقبون على ما سبق بقولهم: وأخذ العلم عن جماعة كثيرين من شيوخ مكة والقادمين إليها. والحرم المكى بذلك كان أشبه بجامعة كبيرة لعلوم الشريعة والعربية. ونقف قليلا عند المشايخ والأعيان الذين تتلمذوا له فمنهم القاضى جمال الدين الطبرى قاضى مكة قرأ عليه فى سنة ٦٤٩ بالروضة بالمسجد النبوى. وهذا يعنى أنه كان يدرس فى المدينة أحيانا.
ومن تلاميذه المحدث عبيد الله بن عبد العزيز المهدوى والقطب القسطلانى المصرى ثم المكى ونجم الدين بن عبد الحميد والحافظ الزاهد علاء الدين العطار وقاضى المدينة المنورة شمس الدين بن مسلم والحافظ الدمياطى المصرى المشهور وعلم الدين البرزالى الدمشقى المصرى وقاضى مكة نجم الدين الطبرى وقطب الدين الحلبى وأبو حيان الغرناطى وخلق كثير، كما يقول مترجموه، آخرهم وفاة عثمان بن الصفى الطبرى، وآخر أصحابه بالإجازة الشهاب الحنفى. وأساتذته وتلامذته هم أعلام الحديث فى عصره بالحجاز وبغداد وإيران ودمشق والقاهرة، غير من انتفع به فى الفقه الشافعى، واستدعاه المظفر السلطان الرسولى مرارا، وسمع عليه بعض مروياته وتآليفه ولا بد أنه كان يلقى فى أثناء ذلك محاضراته على الطلاب بزبيد. ونقف مرة أخرى عند مؤلفاته الكثيرة، منها فى الحديث كتاب الأحكام