للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المملكة العربية السعودية بأخرة، ويصور ذلك تصويرا مسهبا فؤاد حمزة إذ يقول:

«أفصح اللهجات (فى الجزيرة) وأقربها إلى الفصحى فيما نعتقد اللهجات الواقعة ما بين جنوبى الحجاز وشمالى اليمن (عسير) وكثيرا ما سمعنا أهل هذه البلاد يلفظون الكلمات من مخارجها الصحيحة ويتكلمون بما هو أقرب إلى الفصيح من سواه. وبعض البدو من أهل هذه المنطقة يخرجون جملا يظن منها الإنسان أنهم تمرنوا فى المدارس على إخراجها على ذلك النحو بينما أن الحقيقة هى بخلاف ذلك، لأنهم يتكلمون بالسليقة وعلى البديهة، فيجئ كلامهم فصيحا معربا لا غبار عليه. ويستعملون ألفاظا نظنها فى الأقطار العربية المتمدنة مهملة متروكة، ولكنهم هم يستعملونها على البداهة» (١).

وليس معنى ذلك أن اليمن لم تعرف لنفسها لغة عامية كما عرفت الأقاليم العربية الأخرى، بل معناه أنها لم تسارع إلى إحداث هذه اللغة، ولكنها على كل حال أخذت فى إحداثها بالمدن منذ القرن السادس الهجرى، كما يدل كلام عمارة السابق فقد عجب فقهاء زبيد من أنه يوجد فى بعض أنحاء اليمن قوم يتكلمون الفصحى ولا يخطئهم السداد فيها، مما يدل بوضوح على أن اللحن كان قد فشا على ألسنة أهل المدن، وأخذت تتكوّن بسرعة هناك لغة يمنية عامية. وكان ثراء اليمن عاملا مهما فى أن يعنى حكامها بالعربية وبالعلوم الإسلامية ومرّ بنا كيف أن دولة الرسوليين نهضت نهضة عظيمة بالثقافة والعلوم فى اليمن، وقد أنشأت عشرات المساجد والمدارس وخاصة فى زبيد وتعزّ وصنعاء وعدن، وكل ذلك عمل على أن تظل العربية مزدهرة فى اليمن وأن تظل الأشعار تجرى على الألسنة. غير أنه يلاحظ أنه أخذت تنظم هناك، كما كان الشأن فى البلاد العربية الأخرى أشعار عامية.

ولا نعرف متى ظهرت بواكير هذه الأشعار بالضبط، وإذا احتكمنا إلى تاريخ أول أغنية عامية سجلها الدكتور محمد عبده غانم فى كتابه النفيس: «شعر الغناء الصنعانى» وجدنا هذا التاريخ يرجع إلى القرن الثامن الهجرى، وهى للشاعر شهاب الدين أبى محمد أحمد بن فليته، وقد اشتهر زمن السلطان الرسولى المجاهد على الذى حكم من سنة ٧٢١ حتى سنة ٧٦٤ ويسهب الدكتور غانم فى بيان خصائص هذه الأغانى اليمنية العامية من زمن ابن فليتة إلى نهاية الربع الأول من القرن الرابع عشر الهجرى. ويقول إنها جميعا من الشعر الحمينى وهو اسم خاص بالشعر العامى اليمنى الذى لا يلتزم قواعد الفصحى النحوية والاشتقاقية، كما لا يلتزم عروضها. وتكثر فيه المسمّطات والموشحات. وتبدو المحاكاة واضحة بينه وبين الموشحات والأزجال الأندلسية. ويوضح الدكتور غانم


(١) قلب جزيرة العرب لفؤاد حمزة ص ٩٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>