للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أسلفنا، وله فضل تخليد أسمائهم فى كتابه «المفيد فى أخبار زبيد» والكتاب مفقود، غير أن عمارة اليمنى كتب له مختصرا كما مرّ بنا وهو الذى رجع إليه العماد فى الترجمة لجمهور شعراء اليمن، وأول شاعر بارع يلقانا منهم زكرىّ (١) بن شكيل وله مدائح بديعة فى جياش، ويستهل إحداها بوصف طريف للخمر والمرأة الفاتنة، وفيه يقول:

اسقنى الرّاح إنها تجلب الرّو ... ح وريحانها إلى الأرواح

بزلوها فامتدّ منها لجوّ اللّ‍ ... يل نور أغنى عن المصباح (٢)

ما يزيل الهموم مثل اصطباح ... فى صباح لدى وجوه صباح

إذ ترى الدّيك كالبعير، وكالأر ... ض السموات، أو فإنك صاح

وارع عينيك فى عيون من الزّه‍ ... ر جلاها نور كنور الأقاحى

شفتاها نقلى وماء ثنايا ... ها عقارى وخدّها تفّاحى (٣)

هذه الجنّة التى وعد اللّ‍ ... هـ وما عن نعيمها من براح

والأبيات تسيل عذوبة ورشاقة وخفة وتكاد تطير عن الأفواه طيرانا، والألفاظ تتداخل فيما بينها تداخل أفراد الأسرة المتشابكين فى الرحم، وما أجمل الجناس بين الاصطباح والصباح بفتح الصاد والصباح بكسرها أى الوجوه المشرقة المضيئة. وصور خدر الخمر فى البيت الرابع تصويرا جيدا، وأحكم مراعاة النظير فى البيتين الخامس والسادس، إذ قرن العيون والثغر إلى الزهر ونور الأقاحى، كما قرن الشفاه والرضاب والخدود إلى النّقل من الفستق وغيره والخمر والتفاح، وسمى ذلك كله الجنة، مبعدا فى الخيال. ويلقانا بعده من شعراء آل نجاح القاضى العثمانى (٤)، وله فى الصليحى حين فتك به سعيد بن نجاح هجاء مرير، وساق له العماد خمريتين، يتماجن فيهما، أما الأولى فيقول إنه شرب حتى حسب المهر أرنبا، وأما الثانية فيستوفى فيها ما سبقه إليه أبو نواس من فكرة العفو الإلهى عن الكبائر كما كان يزعم ذلك المرجئة، يقول متماجنا:

قم فاسقنى بالكأس من تلك التى ... أهل النّهى فى وصفها قد حاروا

واشرب ولا يلحقك خوف عقوبة ... فيها فربّ حسابها غفّار

ويترجم العماد لإسماعيل بن البوقا وزير جياش، وأهم من ترجمته ترجماته لبنى أبى عقامة قضاة زبيد فى عهد آل نجاح، وفى مقدمتهم القاضى أبو عبد الله محمد بن أبى عقامة


(١) الخريدة (قسم الشام) ٣/ ٢١٨.
(٢) بزل الدن: ثقبه.
(٣) العقار: الخمر. النقل: ما يرافق الشراب من المشهيات.
(٤) انظر الخريدة (قسم الشام) ٣/ ٢٣١ ولعله الشريف العثمانى المذكور فى طبقات فقهاء اليمن ص ١٧٧

<<  <  ج: ص:  >  >>