للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحفائلى (١) الذى قتله على بن مهدى حين دانت له زبيد سنة ٥٥٤ وينشد له العماد أشعارا رائعة، منها قوله فى مديح قوم راحلين:

للمجد عنكم روايات وأخبار ... وللعلا نحوكم حاج وأوطار

تشتاقكم كلّ أرض تنزلون بها ... كأنكم لبقاع الأرض أمطار

فحيث كنتم فثغر الرّوض مبتسم ... وأين سرتم فدمع المزن مدرار

لله قوم إذا حلّوا بمنزلة ... حلّ النّدى ويسير الجود إن ساروا

لا يعجب الناس منكم فى مسيركم ... كذلك الفلك العلوىّ دوّار

والبدر مذ صيغ لا يرضى بمنزلة ... فيها يخيّم فهو الدّهر سيّار

وهو مديح رائع، فالمجد لا يزال يروى أخبارهم، ولا يزال للعلا منهم أمانىّ موصولة، وكل أرض تشتاقهم وتتلهف عليهم، كأنهم غيث جدبها الممحل، وكل مكان ينزلون يصبح روضا مشرقا، وكلما ساروا عن مكان بكاهم الناس بدمع هتون، بكوا شمائلهم وكرمهم الذى يتبعهم أينما حلوا وساروا. وتصويره فى البيتين الأخيرين لهم فى رحيلهم بالفلك الدوار والبدر السيار تصوير دقيق يارع. ومن شعره فى الحداثة قوله يصف روضة:

وروضة ما رأى الراءون مشبهها ... كأنما سرقت سرّا من الزمن

غيم وظلّ وروض مونق وهوى ... يجرى من الروح مجرى الروح فى البدن

غنّت بها الطّير ألحانا وساعدها ... رقص الغصون على إيقاعها الحسن

لقد سكرت وما الصهباء دائرة ... فيها ولا نغمات العود فى أذنى

وتصوير فتنته بالروضة تصوير جيد، فقد تصور كأنها سرقت من الزمن سرا دون أن يدرى لما يرى فيها من اجتماع جمال الطبيعة وجمال صاحبته التى تأسر لبه، ويتخيل الروض كله من حوله يتغنى ويرقص، تتغنى فيه الطير وترقص الأغصان على ألحانها متعانقة مرة ومنفرجة مرة، وهو مسلوب الحس فتنة وجمالا، حتى لكأنما هو فى مشهد غناء ورقص حقيقى. وكل شئ من حوله يأخذ بعقله. ويترجم العماد لابن مكرمان، وهو شاعر زيدى، سنعرض له فى حديثنا عن الدعوة الزيدية وشعرائها، كما يترجم لشاعر خارجى من شعراء على بن مهدى هو ابن الهبينىّ، وسنلم به فى حديثنا عن شعراء الخوارج، ويترجم أيضا لنشوان بن سعيد وشعره يكتظ بفخر عنيف بأصوله اليمنية، وسنتحدث عنه بين شعراء الفخر والهجاء.

ووراء من سميناهم من شعراء اليمن فى الخريدة كثيرون لم نعرض لهم، لأن شعرهم متوسط


(١) راجع فى ترجمة محمد بن أبى عقامة الخريدة (قسم الشام) ٣/ ٢٤٠. وطبقات فقهاء اليمن ص ٢٤٠ والنجوم الزاهرة ٥/ ٣٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>