للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رسالة موجهة من الأمير الزيدى محمد بن المطهر إلى السلطان المملوكى. الناصر محمد بن قلاوون يستنصره فيها على السلطان الرسولى الذى طالت بينهما الحروب، معددا قبائحه، مؤملا أن يسعفه بجيش لإجلائه عن دياره، وإجرائه مجرى الذين ظلموا فى تعجيل دماره.

وقال فى رسالته: إنه إذا حضرت الجيوش المؤيّدة قام معها، وقاد الأشراف والعرب أجمعها، ثم إذا استنقذ منه ما بيده أنعم عليه ببعضه، وأعطى منه ما هو إلى جانب أرضه، ثم قال: «وكتبت إلى السلطان مؤذنا بالإجابة، مؤديا إليه ما يقتضى إعجابه. . ولا رغبة لنا فى السلب، وأن النصرة تكون لله خالصة وله كل البلاد لا قدر ما طلب».

واقتطف القلقشندى قطعة من الرسالة مسجوعة (١)، وكأن السجع أصبح منذ ابن القم صفة عامة فى الرسائل والعهود اليمنية. ونمضى إلى زمن السلطان الرسولى الأشرف إسماعيل (٧٧٨ - ٨٠٣ هـ‍) فيرسل السلطان المملوكى برقوق إليه برسالة معها هدية، يحملها القاضى برهان الدين إبراهيم بن عمر المحلى لتسهيل متجره وما يحمله من عدن من عروض التجارة، ويبادله الأشرف إسماعيل هدية بهدية، وكتابا بكتاب أو رسالة برسالة.

ويطلب فى رسالته أن يرعى السلطان برقوق من يفد على مصر من رعيته اليمنية تاجرا وغير تاجر، وأن يأذن له فى حج البيت الحرام، لقضاء الفرض والتبرك بالمشاعر العظام.

ويشكو من ارتفاع النفقات فى مكة على حاج اليمن لعله يتوسط لدى أميرها كى يخفضها، لأنه تابعه. وإن كان لم يصرح بذلك. ونحن نسوق قطعة من هذه الرسالة يتحدث فيها الأشرف إسماعيل عن هديته إلى السلطان برقوق وأنها دون مقامه ومكانته، يقول (٢):

«لو أهدينا إلى جلال المقام الشريف الظاهرى، أعزّ الله أنصاره، بمقدار همته الشريفة العالية، ورتبته المنيفة السامية، لاستصغرت الأفلاك الدائرة، والشهب السائرة، واستقلّت السبعة الأقاليم تحفة، والأرض وما أقلته طرفة، ولم نرض أن نبعث إليه الأنام مماليك وخولا (عبيدا)، ونجبى إليه ثمرات كل شئ قبلا، ولو رام محبّ المقام (يقصد نفسه) هذه القضية لقصر عنها حوله، ولم يصل إليها طوله (قدرته) ولكنه يرجع إلى المشهور، بين الجمهور، فيجد العمل يقوم مقامه الاعتقاد، وليس على المستمر على الطاعة سوى الاجتهاد، والمخلص فى الولاء محمول على قدرته لا على ما أراد».

والرسالة كلها من هذا الأسلوب الذى يمتاز بانتخاب ألفاظه والسجع فى عباراته، حتى يروق الأسماع، بل حتى يبهرها، بحسن تنسيقه وجمال رصفه ونسجه. وكان كتّاب الإنشاء فى كل دولة عربية يتبارون فى تلك الحقب بما يصوغون من هذا الأسلوب


(١) صبح الأعشى ٧/ ٣٣٧.
(٢) صبح الأعشى ٨/ ٧٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>