للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموسيقى، حتى تلذ ألفاظه الألسنة، وحتى تقع موقعا حسنا من القارئين لها والسامعين.

ومر بنا فى عمان أن الأئمة الإباضيين كانوا يوجهون بكتب إلى عمالهم، يأمرونهم فيها بالنهى عن المنكر والأمر بالمعروف وأن يسيروا فى الرعية سيرة عادلة، وكانت الرعية كثيرا ما ترسل إليهم برسائل تطلب فيها العدل والحكم الصالح. ومضوا على ذلك طويلا حتى إذا كنا فى القرن الحادى عشر الهجرى وجدنا الإمام الإباضى ناصر بن مرشد (١٠٢٤ - ١٠٥٠ هـ‍) يكتب إلى عماله عهودا كثيرة يشيع فيها السجع من مثل قوله لأحد عماله فى «الباطنة» (١):

«إنى قد وليتك على قرية لوىّ من الباطنة. . على أن تأمر أهلها بالعدل والمعروف، وتنهاهم عن المنكر المحوف، وأن تعمل فيهم بكتاب الله المستبين، وتحيى فيهم سنة النبى الأمين، وآثار الأئمة المهتدين، وسيرة القادة المخلصين، الذين جعلهم الله منار الهدى، وقادة الناس إلى التقوى، وأورثهم الكتاب والسنة، يدعون إلى طريق الجنة. . ولا تخف فى الله لومة لائم، ولا عذل مجرم آثم، وأن تخلط الشدة باللين، وأن تخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين. . فالله! الله يا أبا الحسن فى اكتساب الحسنات، وإنكار المنكرات، بغير تجاوز منك إلى غير واجب أوجبه الله فى الجدّ والتشمير، وترك التهاون والتقصير».

ولا يطّرد السجع دائما فى عهود ناصر بن مرشد، وحتى فى العهد الواحد يستعمله حينا وحينا لا يستعمله. ويغلب فى سجعه وسجع غيره من الأئمة الإباضية أن لا يكون متكلفا، وكذلك ألفاظهم لا يبدو فيها شئ من الرّيث فى اختيارها إلا قليلا، وكأنهم يقبلون ما يفد عليهم عفو الخاطر. وولى سلطان بن سيف (١٠٥٠ - ١٠٩١ هـ‍) ويفتتح ولايته بعهد منه إلى جميع عماله يستهله بهذه الصورة (٢):

«الحمد لله العزيز عزّ أن تعوم فى بحور صفاته جوارى (سفن) الفكر، وأن تروم تنظر كواكب تكيّفه بصائر أولى البصر، أو أن تشاهده بمخارق العيان والنظر، العالم بدبيب النملة والذر. . الذى {لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ فِي السَّماواتِ وَلا فِي الْأَرْضِ} ولا {فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} الجليل قدره عن مشاكلة صفات البشر، أو أن يدرك الأشياء بالسماع والخبر، أو أن تجرى عليه أحداث القضاء والقدر. أحمده على ما صبّ برياض قلوبنا من سلسال العبر، وحسم عنا من أوصاب الكدر. وأشكره على ما خوّلنا من يانع نعمه وقدّر، وسقانا من عصير كرم كرمه وعزّ وتكبّر. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة أعدها جنّة ليوم المحشر، يوم لا ملجأ لنا من الله ولا وزر. . وأشهد أن محمدا عبده ورسوله


(١) تحفة الأعيان ٢/ ٢٦.
(٢) التحفة ٢/ ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>